عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: نجح ضغط الرئيس محمود عباس للكشف عن هوية المجرم الذي هاجم موكب رئيس الوزراء الفلسطيني “الحمدلله” واستهدف حياته وحياة مرافقيه بما فيهم مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، وهو ما كانت تنكره حماس وتحاول التستر عليه ونفيه ويبدو أن الوساطة المصرية لدى حماس قد اقنعتها بضرورة كشف هوية المجرم الذي أعلنت حماس أنها قبضت عليه وأعلنت عن اسمه.
للذين لا يعلمون فإن حماس وكما جاء على ألسنة الكثير من مسؤوليها والذين لا تتطابق أقوالهم، حيث يجري توزيع الأدوار كشفت عن ان الحركة حركات وأن الذين يتبعون السنوار الذي انتخبته حماس أخيراً قائداً لها غير الذين يتبعون الزهار وحتى أبو مرزوق، وأن هناك أكثر من دكان، بعضها يرفض الارتباط بالخارج كالسنوار وبعضها يؤكد على ضرورة الارتباط بالخارج مثل أبو مرزوق الذي يرى في الارتباط بإيران وإعادة العلاقات معها مخرجاً من الأزمة التي تعيشها غزة وهروباً من إستحقاقات المصالحة التي يرى تيار أبو مرزوق والزهار أن المصالحة تحتوي حماس وتفقدها قدرتها على المناورة وهو الأمر الذي حذر من إستمراريته خالد مشعل الذي غادر موقعه وسط ضغوط قوية من جانب الأطراف الأقليمية.
عباس كان مصيباً وواضحاً وقد دفع بالضغط إلى مستويات إضطرت حماس بعدها أن تكشف عن هوية المجرم حين حملها الرئيس المسؤولية عن أمن قطاع غزة بعد أن رفضت باستمرار تسليم الأمن للسلطة أو حتى تمكين حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني التي رأسها “الحمدلله” من بسط نفوذها على القطاع وراحت تحرص على عودة السلطة شكلياً الى القطاع وتسليم المباني دون أن تسلم الإدارة والقرار، وكأن السلطة تريد أن تستلم المباني وهو الأمر الذي انعكس في تصريحات احدهم من الذين تجاوزوا كل حدود الأدب والاخلاق حين دعى لاستقبال الحكومة “بالصرامي”، وهو ما ذكره الرئيس عباس في سياق كلامه لمن يلومونه على أن المصالحة لم تنجز بقوله، أيضاً هناك طرف واحد لا ينفذ وليس طرفين، أي لا داعي لتوجيه اللوم إلى السلطة التي كانت ومنذ أكثر من عشرة سنوات وحتى اليوم تعمل على إنهاء الإنقسام بخطوات عملية أبرزها الإنفاق المستمر وبنسبة لا تقل عن 40% من موازنة السلطة على قطاع غزة، ويستهجن المراقب حين يرى أن حماس غزة قد استماتت في اتباع موظفيها الى السلطة لتصرف لهم رواتبهم، رغم اعتقادها أن هذه السلطة هي سلطة أوسلو التابعة والتي لا تريد التعاون معها.
لقد رهنت قيادة حماس وما زالت ترهن المصالحة في أشكال مختلفة عنوانها “استمرار جعل الشعب الفلسطيني في غزة رهينة نفوذ قيادة حماس” التي ما زالت متعطشة للسلطة والحكم وقد ارتكبت في سبيل ذلك المحرمات حين وافقت على دولة مؤقتة لم تحدد حدودها وحين رغبت ووعدت بتقديم كل ما يلزم مقابل فتح حوارات مع الإدارة الأمريكية!!
إن إدعاء حماس بالطهارة وهي تغرق في المحرمات الوطنية بات مكشوفاً، ففي الوقت الذي توقع كثير من المراقبين حتى من أصدقاء حماس أن تقف هذه الحركة إلى جانب مواقف الرئيس عباس وأن تؤيد مواقفه الصلبة لتزيدها صلابة حين يقول “أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً صالحاً في عملية السلام”، وحين يهاجم الرئيس عباس الحكومة اليمينية الإسرائيلية ويرفض العودة للتفاوض معها إلا على قاعدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والإقرار بقرارات الشرعية الدولية التي تمنع التصرف بالحقوق الوطنية المشروعة.
ان مواقف الرئيس عباس الأخيرة والتي التف الشعب الفلسطيني حولها وأيدها والتي حظيت بتأييد المجتمع الدولي أيضاً، حيث عزل الرئيس أبو مازن المواقف الإسرائيلية المتعنتة في المجتمع الدولي وخاصة في الأمم المتحدة ونموذج ذلك تصويت الجمعية العامة الأخير، كما عزل الرئيس عباس الموقف الأمريكي لإدارة ترامب التي ظهرت أمام العالم تغني خارج السرب ولم يبخل الرئيس ابو مازن في توصيفها ولغتها والدعاء عليها “بالخراب، يخرب بيتك”، وقد عكس في ذلك موقفاً شجاعاً يرفض التماهي والتبعية ويؤكد على الموقف الفلسطيني المستقل الذي يرى في موقف السفير الأمريكي في تل أبيب موقف “ابن كلب” بالمعنى التقليدي المستعمل وفضح هذا السفير الذي هو اسرائيلي أكثر من الإسرائيليين وهو مستوطن ويسكن مستوطنة ويؤيد موقف الحكومة اليمينية الإسرائيلية في الإستيطان بشكل أشد تطرفاً من وزراء في حكومة نتنياهو.
و”إذا عرف السبب بطل العجب” فمعرفة هذا المستوطن والذي هو برتبة سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل وهو متحمس لنقل السفارة إلى القدس وهذا ما دفع الرئيس عباس لإنزاله المنزلة التي يستحقها!!
حماس تلعب لعبة الثلاث ورقات وأسلوب “لفّتك ما لفّتك” فهي تطلق شعارات مصالحة في حين تعمل على المزيد من الهدم والإنقسام والخروج على التقاليد الديمقراطية الفلسطينية التي ترى أن صندوق الإنتخابات هو الحكم وأن يشمل هذا الصندوق الإنتخابات البرلمانية الرئاسية.
لقد أمضت السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن أكثر من عشر سنوات تحاول وعبر أكثر من وسيط ودولة لإنجاز المصالحة على أسس واضحة منها تمكين الحكومة في قطاع غزة كما هو حالها في الضفة الغربية وأن يكون الأمن واحداً والبندقية واحدة وإلا غيّر الوضع بعد جريمة الاعتداء على رئيس الوزراء “الحمدلله”.
المصالحة الآن (بعد أن قدم الرئيس أبو مازن عدة خيارات) على أبواب مرحلة فاصلة فإما أن تنخرط حماس فيها بشفافية وتشارك وهذا حقها واما ان تمضي في طريق التأمر على المصالحة الوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني وتواصل البحث عن حلفاء اقليميين وخارجيين تربط خططها بهم وهو الأمر الذي ظلت ترفضه القيادة الفلسطينية التي تعي أن مثل هذا الامر هو من خطط الحركة الصهيونية التي كانت تعمل على قضيتين، “الأولى” أن لا يكون للشعب الفلسطيني قيادة من ابناءه وإنما اسقاط قيادة غير فلسطينية عليه تأتمر بأوامر الجهة أو الجهات التي زرعتها.
أما “النقطة الثانية”، فهي الكلام عن القضية الفلسطينية دون أن يعني ذلك الشعب الفلسطيني، وكأن القضية بلا شعب، وبالتالي فإن شعار دعم القضية الفلسطينية سيكون مفرغاً إن لم يكن يعني دعم الشعب الفلسطيني، أي دعم صموده على أرضه وتمكينه من البقاء صامداً في مواجهة الإحتلال.
حماس لا تريد أن تدرك أنه لا دولة فلسطينية في غزة ولا دولة فلسطينية بدون غزة وأن المخططات التي عرضت في الماضي عن دولة في سيناء ناقشها المخلوع مرسي وأعيد طرحها، وخبأتها صفقة العصر لتكون نواتها، هذه الافكار رفضت فلسطينياً بجرأة من جانب الرئيس عباس أخيراً وخاصة كلمته الاخيرة أمام القيادة الفلسطينية وهي مرفوضة أيضاً من جانب الأردن حين رأى الملك عبدالله الثاني أن من عناوين هذه الصفقة هي تقديم القدس عاصمة لإسرائيل.
و”لأن المكتوب يقرأ من عنوانه” فقد سجل الأردن حتى الأن تحفظه على هذه الصفقة وأصر على حق الاختلاف حولها مع الإدارة الأمريكية.
لن يستمر الرئيس عباس في حمل حماس على كتفه، لأن استمرار حملها يغرق القضية في وحل لا يعرف مداه، ولذا فإنه ما لم يجرِ علاجها من ما تحمل من تبعية وشراهة للسلطة فإنه سيتخفف منها تاركاً للشعب الفلسطيني أن يحكم على مواقفه.
لقد جرب الرئيس عباس مع حماس أساليب عديدة لم يجربها من قبل حين استمر على تحمل نهجها الإنقسامي عشر سنوات الى أن اجبرها على حل لجنتها الإدارية (حكومتها)، وهو اليوم باتخاذه خطوات جديدة وجريئة في محاصرة قيادتها لثنيها عن مخططاتها ووقف تداعيات الانقسام ومخاطرة بجملة من الاجراءات فإنما يعمل ذلك لأنه يؤمن أن آخر العلاج الكي، وأنه ما لم يمارس ذلك فإن حماس ستبقى ترهن المشروع الوطني الفلسطيني وتضعه في مهب الريح، ويدرك الرئيس أن السكوت عن ذلك والمجاملة في ذلك هو خيانة وتفريط وهو تجميد لحقوق شعبنا واعطاء اسرائيل وحكومتها اليمينية المزيد من شراء الوقت لإدامة الاحتلال.
بماذا تختلف طروحات حماس السياسية عن طروحات الرئيس أبو مازن؟ ولماذا ترفض حماس المصالحة على قاعدة البرنامج الوطني الفلسطيني وتبحث عن مبررات وذرائع؟ وإذا كانت تجدها في الماضي حين كانت السلطة تنخرط في المفاوضات فهل تجدها اليوم والسلطة تقف على يسار حماس بشكل واضح حتى في أكثر المسائل التي تدعي حماس أنها تتمسك بها؟؟
السلطة الفلسطينية ضد الدولة المؤقتة والحدود المتحركة، وهي ضد التأجيل وترك الصراع للاجيال القادمة، فنحن كنا الاجيال القادمة التي تعيش الان في المنافي لإننا لم نتعاطَ مع قضيتنا بوعي وحرص ووطنية.
والسلطة ظلت ضد التدخلات الاقليمية، وحتى العربية التابعة التي تستهدف القرار الفلسطيني، والتي تريد التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية أمنية عبر أجهزة المخابرات وليس كقضية سياسية وطنية عادلة، يجب الانتصار لها وتمكين قيادتها من ذلك.
والسلطة ترفض الوساطة الأمريكية لعدم نزاهة هذه الوساطة في حين تسعى حماس الأن لجعل الأمريكين طرف ووسيط مقابل تقديم تنازلات لهم، لتكون بديلاً عن قيادة الشعب الفلسطيني الوطنية.
الغريب أن النظام العربي يجمع الآن وهو يخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية على معاداة القيادة الفلسطينية، فهناك من يدعم حماس ويمكنها لتأخذ هكذا مواقف، وهناك من يدعم تربية قيادة بديلة في مختبرات خارجية وإسقاطها على رؤوس الفلسطينيين ليصبح الطريق لتصفية القضية الفلسطينية سالكاً.
اعتقد أن الرئيس عباس الآن لن يرضى في التعامل مع حماس بنصف حل بعد إنكشاف السحر وانقلابه على الساحر في عملية محاولة اغتيال رئيس الوزراء وأن الامر أصبح واضحاً وهو اما تمكين حكومة الوفاق من بسط سلطتها وانهاء الانقسام تماماً بجملة واضحة من الاجراءات حملتها حكومة الوحدة الوطنية الى غزة واصبحت واجبة قبل محاولة الاغتيال وإلى كشف رصيد الحساب في المصالحة والذي ظل صفراً رغم كل التصريحات والذي كشف عنه وعن حقيقته الرئيس أبو مازن الذي صارح شعبه ولم يتواطئ للحديث عن مصالحة قائمة او عن طرفين متنازعين.
الايام القادمة حبلى وحساسة، فإما أن ترعوي حماس وتذهب باتجاه المصالحة وتنظيف نفسها بما علق بتياراتها نتاج عمليات التبعية وإما أن تصارح الشعب الفلسطيني بالمخططات التي قبلتها والتي تريد أن تقبلها.
هامش المناورة عند حماس أصبح ضيقاً والكرة في مرماها وعلى بعض التيار الوطني فيها أن يحسم الموقف ويفضح النوايا الخبيثة قبل أن يفوت الأوان بعد أن أصبح الفيلم محروقاً لتنتهي لعبة الثلاث ورقات، و”لفّتك ما لفّتك”.
احترق فيلم حماس “لفتّك ما لفتّك”
18
المقالة السابقة