1- تجميد التجارة الحرة
لقد احسنت الحكومة باتخاذ القرار بتجميد العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا لأسباب إقتصادية لا علاقة لها بالسياسة أبدا، فالإتفاقية غير عادلة، والسلع التي تتضمنها الإتفاقية تشمل أكثر من 2100 سلعة كان من الممكن أن تقضي على مئات من الصناعات الأردنية، علاوة على ذلك فإن الجانب التركي لم يلتزم بالإستثمار الإنتاجي في الأردن ولا بتقديم الدعم الفني للصناعات الأردنية كما تنص الإتفاقية، والمطلوب من الحكومة مراجعة جميع اتفاقيات التجارة الحرة والمناطق الخاصة غير المتكافئة وغير العادلة وتصحيح بنودها، سواء ما يتعلق بالعمالة أو نسبة القيمة المضافة المحلية أو التكنولوجيا، أو المعاملة بالمثل تعاقديا وإداريا.
2 – اختلال سوق العمل
تتزايد معدلات البطالة في بلادنا عاماً بعد عام حتى وصلت إلى مستويات تدعو إلى القلق الشديد، فالمعدل العام للبطالة 18.3% في حين أن المعدل العالمي في حدود 8%، وهي بين شبابنا 29% وبين الجامعيين 32% وبين الجامعيات الشابات 49% ، وترتفع البطالة في المحافظات لتتجاوز 22% و25% ، وهي أرقام ذات مردود اجتماعي وأمني واقتصادي بالغ الخطورة. وبالمقابل فقد تزايدت العمالة الوافدة من 400 ألف عامل وافد عام 2000 ، إلى 650 ألفا عام 2008 ، إلى 800 ألف عام 2012 إلى 1.2 مليون عام 2017 ، ويضاف اليهم أعداد العمالة السورية والتي تصل إلى 650 ألف عامل ، ويتأتى عن هذه العمالة تحويلات مالية إلى الخارج تقدر بأكثر من 1500 مليون دينار سنوياً ، يتبعها تكاليف غير منظورة كالمياه والطاقة والبنية التحتية والبيئة، إضافة إلى مشكلات صحية واجتماعية وأمنية لا ينبغي الإستهانة بها، وفي مقدمتها انتشار الأمراض والجريمة والمخدرات .
ومن جانب آخر، هناك قطاعات صناعية عديدة لا تتوفر لديها العمالة الوطنية المدربة، وتطلب مزيداً من العمالة الوافدة للعمل في مؤسساتها المختلفة، كما أن القطاع الزراعي والذي يعتمد اعتماداً شبه كامل على العمالة الوافدة، يطالب بمزيد منها نظراً لارتفاع كلفة العمالة المتواجدة والناشئة عن التهرب من العمل الزراعي للإلتحاق بأعمال أخرى أعلى مردودا في المدن.
هذا الخلل في سوق العمل ومنظومة العمالة لا يجوز أن يستمر أو يرحل من إدارة إلى أخرى، فقد يصل إلى تعقيدات لا يمكن السيطرة عليها، وحتى يعالج هذا الاختلال لا بد من معرفة الأسباب الرئيسة وراءه والتي يمكن ايجازها بما يلي: أولاً : اهتم الأردن بالتعليم على مستوياته المختلفة، وهذا توجه جيد متميز الايجابية، ولكن لم يرافق ذلك التطوير المطلوب بالإقتصاد من حيث التصنيع والتكنولوجيا، فأصبح الشباب الجامعي لا يجد فرص العمل التي يطمح اليها، فخريج كلية الزراعة يمكن أن يعمل في مزرعة حديثة متطورة، ولكنه لا يعمل في مزرعة بسيطة. ثانيا: ربط الرواتب بالشهادة وليس بالوظيفة، وبالتالي أصبح الجميع يتطلع إلى الحصول على الشهادة الجامعية لضمان الراتب الأعلى وبفارق كبير، في حين أن كثيراً من البلدان تعطي الراتب للوظيفة مع ميزة متواضعة للشهادة. ثالثاً: إن هجرة العمالة الأردنية وخاصة أصحاب الكفاءات والمهارات إلى دول الخليج أوجد فراغاً كان لا بد من تعبئته بعمالة وافدة، أو بعمالة محلية متواضعة المهارات متقطعة الإلتزام. رابعا: عدم الاهتمام بإدخال الآلات والماكنات في قطاعي الانشاءات والزراعة، وهما الأكثر اعتماداً على العمالة الوافدة، خاصة وأنه خلال السنوات الـ 25 الماضية تم استحداث آلات وماكنات في العالم تكاد تشمل كل عمل في الزراعة والإنشاءات وغيرهما. واعتبرت الإدارات الحكومية أن هذه مسألة لا تعنيها أبدا، وانما هذا شأن أصحاب المشاريع أنفسهم، ولم تدرك أو تجاهلت تأثير ذلك على اجتذاب العمالة الوطنية بمستوياتها المختلفة. خامساً: غياب المشاركة الحقيقية بين الإدارات الحكومية وبين القطاعات الإقتصادية، وعدم تطوير منظومة عمل مشترك ومدونة سلوك مشتركة، تضمن التوصل إلى حلول للمشكلات ومعالجتها بدلاً من تركها تتفاقم. سادساً: عدم تنفيذ برامج اقتصادية جادة لتنمية المحافظات، وبالتالي بقيت اقتصادات المحافظات زراعية ضعيفة غير قادرة على توليد فرص عمل. سابعاً: ارتفاع تكاليف المعيشة من غذاء ومأوى؛ ما جعل الشاب الأردني لا يتشجع للانتقال إلى المحافظات النشطة. ثامناً: عدم اهتمام الإدارة الحكومية بحل مشكلات العمال الوطنية من حيث تقديم الدعم والبدلات والتعويضات العينية للعمال الذين يتركون محافظاتهم.
إن تصحيح الاختلال في سوق العمل لا يتم بقرار سريع من أي طرف، كما أن الإدارة الحكومية لن تنجح الا بالمشاركة الحقيقية مع القطاعات المختلفة ،وعليه، لا بد من وضع برنامج وطني متوسط المدى، وفي حدود 10 سنوات لاصلاح الخلل في سوق العمل وفي الإطار التالي: اولاً: أن تقوم كل وزارة ومؤسسة رسمية بدراسة الكلفة غير المباشرة للعمالة الوافدة في مجالها، وذلك استعداداً للمساهمة في صندوق دعم العمالة الوطنية. ثانياً: التركيز في البداية على تأهيل وتدريب العمالة الأردنية في المجال الصناعي والسياحي وذلك بالتعاون ما بين مؤسسة التدريب المهني ومركز تنمية الموارد البشرية ووزارة التعليم العالي والقطاع الصناعي الذي يعاني من نقص في العمالة الوطنية والإفادة من إمكانات التدريب على صناعات محددة في الهند وماليزيا وكوريا، وما ينطبق على الصناعة ينطبق على السياحة. ثالثا: إلزام المشاريع والشركات العاملة في المناطق الصناعية والاقتصادية الحرة والخاصة بزيادة العمالة الأردنية لتصل الى 95% من مجمل العمالة خلال 4 سنوات. رابعاً: إلزام جميع الاسواق الضخمة (المولات) لتتزايد مبيعاتها من السلع الأردنية إلى70% خلال 4 سنوات. خامساً: العمل على إدخال التكنولوجيا الحديثة الى قطاعي الزراعة والإنشاءات من خلال هيئات متخصصة تشارك فيها الجامعات وتعمل على المساعدة في إدخال الماكنات والانظمة الحديثة المعفاة من الرسوم والجمارك في المرافق الإنشائية والزراعية النباتية والحيوانية ويمكن الإفادة من تجربة اليونان وبلغاريا والهند وغيرها. سادساً: إنشاء صندوق دعم العمالة الأردنية بميزانية سنوية في حدود100 مليون دينار تقدم للعمالة الوطنية تأميناً صحياً وضماناً إجتماعيا وبرنامج ادخار ويتم تحديد العمالة المستفيدة منها وفق ضوابط مناسبة. سابعاً: تشجيع المزارعين والصناعيين والمقاولين على انشاء تعاونيات تمكن اعضاءها من تقديم فرص أفضل للعمالة الوطنية وقيام أمانة عمان بتنظيم أعمال الاشراف على العمارات السكنية لتتحول الوظيفة من “بواب” الى “مندوب الإدارة” ويتم تحديد مهامه بتعليمات من الأمانة. ثامناً:إشراك القطاع الخاص في برامج التدريب المهني والإرتقاء بالتأهيل التكنولوجي في المعاهد والجامعات وإطلاق برامج ثقافية إعلامية وانخراط مجالس المحافظات في توفير البيئة المناسبة للعمالة الوطنية.
إن إختلال سوق العمل والعمالة مسألة لم تعد تحتمل التجاهل وأخطارها أكبر بكثير مما يبدو على السطح، وهي عملية طويلة المدى ويجب الإلتزام بها كبرنامج دولة يتم تنفيذه بهدوء وبتفاصيل تكنولوجية وتدريبية مباشرة مع أصحاب الشأن وتشارك فيه مؤسسات الدولة حتى يصبح مستقبل العمل والعمالة في الأردن أكثر استقراراً وأفضل تعبيرا عن المصالح الوطنية وتماسك الدولة والمجتمع.
سوق العمل….ومواجهة الاختلال/ د. إبراهيم بدران
9
المقالة السابقة