ما ينسب إلى ممثلي الحكومة من الإجابات التي أعطيت لممثلي القطاع الزراعي ولجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب مسألة تثير القلق وتتطلب المراجعة والتصحيحات الفورية.
إذ ينسب إلى ممثلي الحكومة قولهم “إن صندوق النقد الدولي لا يوافق على إلغاء الضرائب على مدخلات الإنتاج في القطاع الزراعي”، وأن “الحكومة سترتب اجتماعاً خلال شهر يجمع صندوق النقد الدولي بلجنة الزراعة والمياه وممثلين عن المزارعين المعتصمين”. وعلى الرغم من أن هذا القول أو الإدعاء قد تم نفيه من معالي نائب رئيس الوزراء، إلاّ أن الصورة المستقرة في أذهان الناس حتى الآن غير ذلك، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يشعر المواطن، أو يوحى إليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أن أي جهة خارجية مهما كانت قد أصبحت هي المرجعية له وللقطاعات الاقتصادية المختلفة، سواء كان ذلك في المعلومات أو التفسير أو القرار أو المبررات ، فالحكومة هي مرجعية المواطن وينبغي لقراراتها وسياساتها أن تأخذ المواطن بعين الاعتبار من حيث المصلحة ومن حيث الاقتناع.
وهنا يتساءل المواطنون: لماذا تتأخر الإدارات عن العمل وتتردد في الوصول إلى حلول حين يأخذ القطاع الزراعي (وغيره) بالتراجع، بل بالتهشم والتهمش سنة بعد سنة؟ ولماذا لا تتنبه الحكومات المتعاقبة إلى خطورة فتح باب الاستيراد على مصراعيه لكل المنتجات الزراعية الطازجة والمصنعة حتى لو كانت دجاجة تتجول في الأرجنتين أو حبة جزر تنبت في تلال الأناضول؟وكأن الأردن غير قادر على التعامل مع تكنولوجيا إنتاج الدواجن أو غيرها من المنتجات الزراعية أو الحيوانية. يجري ذلك والجميع يعلم أن تلك المستوردات تتلقى الدعم المباشر وغير المباشر من حكومات بلادها، بما في ذلك الطاقة ومدخلات الإنتاج،بل وتعويضات مالية مباشرة. ما هو تفسير المزارع الأردني للحالة؟ ،و كيف يمكنه تقبل كل ذلك والاقتناع ؟ .
إن الحكومة ينبغي أن تتحمل مسؤولياتها إزاء المواطنين، وتصل معهم إلى قناعة مشتركة، ومسؤوليتها أمام مجلس النواب، فلا تترك الانطباع البرلماني أو الشعبي بأنها ليست صاحبة القرار أو واضعة السياسة، وبالتالي تريد إحالتهم إلى جهة خارجية مثل صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات غير الأردنية. إن المواطن ولأنه لا يجد ما يبرر تلكؤ بل إحجام الإدارات عن الفعل والمبادرة في الصناعة والزراعة والإقتصاد والسياحة والديموقراطية والتعليم وغير ذلك، راح يعتقد أننا ممنوعون من كل ذلك من القوى الدولية، وهو تفسير خاطىء سببه عدم قدرة الإدارة على الإقناع.
من جانب آخر، ولبسط المسألة على حقيقتها، فإن صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية لا يعنيها كيف يتم فرض الضرائب، ولا على أي قطاع، ولا بأي نسبة ولا على أي سلعة، قد تقدم اقتراحات وبدائل ممكنة، ولكن القرار في النهاية للحكومة. إن شان الصندوق شأن أي بنك آخر، ما يعنيه هو ضمان سداد القروض والفوائد المستحقة. يريد الصندوق أن يطمئن بأن هناك إجراءات تضمن توفير عائدات للحكومة تعطيها المجال لتسديد ما عليها من التزامات، أما تفاصيل ذلك، وكيف، بأي صورة ومن أي قطاع وبأي نسبة، فذلك من شأن الإدارة الحكومية.
ومن هنا تأتي الحكمة وحسن التدبير والمسؤولية السياسية والمجتمعية للإدارة الحكومية حين تدرك أن الإجراءات المالية دون برامج اقتصادية فاعلة لا توصل إلى اي حل، وأن كل إجراء مالي يضعف الإقتصاد لا يخدم المصلحة الوطنية ابدا. ما تطالب به وزارة المالية، مع الاحترام، لتغطية العجز ما يقرب من 540 مليون دينار. لقد تعدت موازنة الدولة لعام 2018 مبلغ ألـ 10 مليارات دينار، ومن الممكن توفير المبلغ المطلوب بمجرد تخفيض النفقات بمقدار 5%، وهو العجز الذي حوّلته الحكومة إلى ضرائب أرهقت القطاعات الإقتصادية والمواطن على حد سواء، أليس الجزء الأكبر من الهيئات المستقلة، والتي تستنفد ما يقرب من 2 مليار دينار من الموازنة، هي تضخم وازدواجية وإضعاف للوزارات دون مبرر؟ .
نعم تستطيع وزارة الاتصالات أن تقوم بأعمال هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، ووزارة الطاقة بأعمال تنظيم قطاع الطاقة، ووزارة النقل بأعمال تنظيم قطاع النقل والسكة الحديد، ووزارة الاستثمار بأعمال تشجيع الاستثمار وغير ذلك الكثير، وكان الأمر كذلك وبشكل أفضل من هذه الفترة قبل موجة “الخصخصة المتسرّعة وغير المنضبطة”، و”موجة الفكفكة” التي تم تفسيرها خطأ بإنشاء مؤسسات موازية، بدلا من تسهيل الأنظمة وتيسير التعليمات deregulation. لا أحد يقبل أن لا تبالي الإدارة بتدمير القطاع الزراعي مقابل (200) مليون دينار، وهناك (17) ألف مزارع لا يستطيعون سداد القروض التي التزموا بها. إن المصادر الأخرى الممكنة عديدة وهي أفضل من الضرائب على الزراعة والصناعة والمواطن.إن الرسوم على شراء العقارات لغير الأردنيين والرسوم على تداول الأسهم في السوق المالي ومعالجة التهرب الضريبي والتقشف في الإنفاق الحكومي في المباني والسيارات والأثاث وغير ذلك الكثير، كافية لتغطية العجز لهذه السنة وللسنوات القادمة.
ومن جانب آخر فإن الإعلام الرسمي أي “إعلام الدولة” لا يعني مجرد نشر الخبر أو المعلومة، أو ترويج مقولة “اللابديل”، وإنما يعني المهنية والمصداقية في إقناع المواطن والهيئات ذات العلاقة بصواب القرار وخدمته للمصلحة الوطنية، وتاسيسه لمستقبل أفضل، من منظور المشاركة والتوافق، فهل نصل إلى هذا الطريق في القريب العاجل؟؟ تلك هي المسألة.
الحكومــة مرجـعيــة المــواطــن /د. إبراهيم بدران
11
المقالة السابقة