عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: أبو مازن وكأني به يقول الآن: “اللهم قني شر النظام العربي أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم”
لقد عكس ذلك من خلال مواقف معلنة واخرى غير معلنة، فالوزير العربي الذي زايد على القيادة الفلسطينية في لقاء عمان لوزراء الخارجية، جرى مسح الأرض فيه لأن قامته الصغيرة لا تبلغ نضال طفل فلسطيني واحد، ولذا جاء رد الرئيس عليه صاعقاً في الدورة الـ 28 للمجلس المركزي والتي عنوانها “القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين” بقوله: “قبل الرد واخبارك بماذا عمل الشعب الفلسطيني حتى الآن أسألك هل سمحت بلدكم لمواطن واحد بالتظاهر أو الاعتصام أو الوقوف في ركن جانبي ليقول وا قدساه؟ إذا أردت تبرير تقصيرك فلا تلق اللوم على الشعب الفلسطيني، هذا شعب حي ليس بحاجة لمن يقول له ماذا يفعل، يا ريت تعطونا كتف تساعدوننا أو تفكونا من رائحتكم”.
كان هذا رد الرئيس في وجه التحريض على القيادة الفلسطينية التي تمثل شعبها ونفس الرد واجه به الرئيس عباس أحد القادة العرب الذين زايدوا على الموقف الفلسطيني في قمة سرت العربية في ليبيا قبل رحيل القذافي بالقول له: “لم تصل دباباتكم نهر الاردن لنفتح الجسر لها، فلا داعي لاعلان حروب في التصريحات لا نريد أسلحتكم”، لحظتها صمت الجميع وصمت من زايد على الرئيس عباس وبدأ يغيّر كلامه ويعتذر.
أبو مازن يصارع خصومه وأعداءه بوضوح ولكن التحريض الأخير المتزايد يأتي كطعن في الظهر من بعض رموز النظام العربي الذي حرقه الربيع أو يكاد يحرقه، والذي تحول إلى صدى للرغبة الإسرائيلية أو الأمريكية المُرحّلة عن الإسرائيلية، فما تريده إسرائيل الآن من ضغط على الرئيس أبو مازن أصبح يمكنها تمريره من خلال بعض العرب الذين جندوا لذلك أو تطوعوا لذلك، وإلا كيف يمكن أن يجمع الأماراتيون والقطريون وهم لا يجمعوا الآن على شيء إطلاقاً إلا على التحريض على القيادة الفلسطينية ومحاولة النيل منها كل على طريقته أو بأقواله أو بمن يربيهم عنده في حاضنة يعتقد أنه يستطيع بها أن يحكم الشعب الفلسطيني أو يتحكم في قراره المستقبلي.
البعض إنحاز إلى حماس لأنه فتح مزرعة للاخوان المسلمين، والبعض الأخر يتحرك كالدمى في مسرح العرائس بأصابع مندوبي إسرائيل من الذين راحوا يعربوا جملة مصالحها في عواصم عربية استقبلتهم واعتقدت انها بإعادة زراعتهم في أصص يمكن أن تصنع لهم جذوراً قابلة للنقل إلى التراب الفلسطيني.
لماذا التحريض على أبو مازن؟ أليس أبرز أسبابه أنه رفض التدخل والوساطة الأمريكية التي قال أنها لم تعد ممكنة ولا تصلح بعد أن نام القرار الأمريكي الذي يمثله ترامب في الفراش الإسرائيلي وحمل منه؟ أليس هذا كافياً أن يغضب أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية العرب، ويتحرك بعضهم مهموزاً بسياساتها ليتدخل في الشأن الفلسطيني ويعتدي على القرار الفلسطيني ويحرض على القيادة الفلسطينية ويطالب بخلعها وتغييرها والتظاهر ضدها وقطع المساعدات عنها وتحريك زمرة الأقلام التابعة عليها وتشكيل الجوقات التي تذكرت أن للشعب الفلسطيني حقوقاً ينتهكها أبو مازن ويفرط بها الآن؟
تغضب إسرائيل فتغضب قبائل عربية تحكم وتعبر عن غضبها وكأن إسرائيل هي قبيلة تميم التي قال عنها الشاعر
” إذا غضبت عليك بنو تميم .. حسبت الناس كلهم غضابا”
الغضب الإسرائيلي لا يحتمله بعض أصدقائها العرب الذين قال عنهم نتنياهو “أنهم لم يعودوا أعداءه وأن له صداقات عند بعضهم”.
قد يكون كلام نتنياهو مبالغ فيه ويخدم سياسات إسرائيل ولكننا نرى أن بعض أنظمة عربية تُحرّض على القيادة الفلسطينية حقيقة، وبدل أن تدعمها، تريد أن توهن موقفها.
ولو أن أبو مازن لم يتبنى مثل هذا الموقف الشجاع في وجه السياسة الأمريكية لم يتآمروا عليه، ولكنه حين بق البحصة وأدان الموقف الأمريكي وطارد موقف الاحتلال البشع في عواصم العالم بالإنتساب إلى مئات المنظمات الدولية وبالعمل على توليد الدولة الفلسطينية عبر الأمم المتحدة التي رأت في خطاب الرئيس عباس خطاب سلام واستقبلته بما يليق به، قامت الدنيا الإسرائيلية ولم تقعد وسحبت معها بعض المواقف العربية التي ما زالت على حياء تقول وراء الامام الإسرائيلي آمين!!
ما الذي يريده بعض النظام العربي من أبو مازن؟ هل يريدونه جيفارا مثلاً؟ هل يريدونه على يسارهم؟ هل أعدوا له العدة ورباط الخيل وحددوا له العدو الذي يريدونه أن يقاتله؟ إن كانوا فعلوا ذلك فأبو مازن على خطأ ولم يفهم مقاصدهم وأن كانوا لم يفعلوا ذلك فمعنى ذلك أن “شورهم ليس من رؤوسهم” كما يُقال بالعامية لماذا يشككون في قدرة الرجل وحتى في صحته ولماذا يستعجلون وضع السيناريوهات؟ ولماذا أحد سفرائهم تفتح له الحدود مع غزة في أي لحظة يشاء فيدخل محملاً بالمال الكاش ليوزعه من أجل صناعة مظاهرة ضد أبو مازن أو عقد اجتماع يخرج ببيان ظاهرة البكاء على انقطاع الكهرباء عن غزة وباطنه الدعوة لتغيير القيادة الفلسطينية دون أن يسمي البديل، في حين أن طرف عربي آخر سمّى البديل وأقام له قفصاً في عاصمته ليكبر فيه قبل أن يهبط به إلى رام الله بعد أن تقوم القيامة الإسرائيلية وتنصب للعابرين صراطها.
حين قال الرئيس منفعلاً “حلّو عنا” كان يرى غزلهم الذي ظل صموده ينقضه وظلت إسرائيل تزودهم فيه بالصوف والمغازل!!
الجوقة الآن مختلطة اللغات والوجوه وحتى السكسوكة، ولكن الدلالات واحدة، والمرامي متفق عليها، وهناك من عاد إلى الدفاتر القديمة ليقلب الحقائق ويتحدث عن طائرة أبو مازن وكأنه يكتشف حجر الفلاسفة أو نظرية ارخميدس أو نتائج تفاحة نيوتن؟؟
وفي ظل هذا الدخان العربي المسموم، يواصل ليبرمان القول معلقاً على خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، أنه يستهدف تدمير الفلسطينيين واليهود على حد سواء، كما جاء في صحيفة يديعوت أحرنوت، ويرى ليبرمان الذي يبكي حتى لا يدمر الشعب الفلسطيني أن أبو مازن لا يعبر من خلال خطابه عن خوفه على شعبه، وإنما على قلقه على من سيكون خليفته في الرئاسة، مضيفاً عباس فقد حواسه بعد خطاب عنيف.
لا يا سيدي، يا ليبرمان، عباس بق البحصة بعد أن قال أنه لا يريد سلطة بلا سلطة ولا يقبل احتلال بلا كلفة، فقامت قيامتكم وقيامة مناصريكم من القبائل العربية التي هي امتداد لاهل الردة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
أبو مازن لم يختلف مع العرب أبداً وإن اختلف فمن أجل القدس ولا مكان لك يا ليبرمان في هذه الخلافات، وأبو مازن لم يفقد حواسه نتاج ذلك، فهو من يرسل الرسائل ليستيقظ النيام وهو يبلغ، وما زال يقود ركب الرفض العربي للاحتلال ومعه كل ضمير حيّ عربي منذ كانت فتح ناقوس الخطر، ومنذ قادت حركة التحرير الفلسطينية حركات التحرير العربية منتصف القرن الماضي.
التبجح الإسرائيلي بأن العرب أصدقاؤكم هو كذب، سواء كان من أطلق هذه الإشاعات نتنياهو أو أنت يا وزير الحرب.
أبو مازن لا يخرب بيته بيده على حد قولك حين يوقف التنسيق مع سلطات الاحتلال وحين يدين الاحتلال ويعلق غسيله الوسخ على حبال العالم ويكشف حجم المأساة الفلسطينية، وحين يتخلى عن مفاوضات الذئب مع الحمل، أو يرفض المشي وراء إدارة ترامب التي تريد أن تأخذه إلى مغارتكم لمواصلة اغتيال حقوق الشعب الفلسطيني، فذلك لانه شجاع اكتشف ما آلت إليه معادلة السلام التي وضعتم طرفيها وأردتم أن يبقى الرئيس أبو مازن يخض الماء الذي كتبتم عليه بأن فيه زبدة، والعالم يدرك أنه ماء وأن استمرار خضه بشروطكم لن يعطي إلا ماء، وأن لكشف أبو مازن للعبة السمجة في المفاوضات التي نزعتم كل دسمها بمساعدة أمريكية قدمها ترامب هذا الاكتشاف من الخديعة الإسرائيلية الامريكية المشتركة وضع حد له ليس عملاً طفولياً وإنما وطنياً فلسطينياً وشجاعة تنكرونها.
أبو مازن ليس مأزوماً. ويزعجكم أن يتواصل وقوفه في مربع الوطنية الفلسطينية وأن يكون قائداً باسلاً في الدفاع عن حقوق شعبه التي ما زلتم تنكرونها، أنتم المأزومون، فلقد إستطاع أبو مازن أن يعزل الموقف الأمريكي في الأمم المتحدة حين أعطت إدارة ترامب القدس لكم، لقد إستطاع أن يدين هذا الموقف بهذا الرقم الكبير من دول العالم التي وقفت مع الحق الفلسطيني في الأمم المتحدة، ويومها كتبت “من يعزل من؟” خاصة بعد إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
أنتم والادارة الامريكية يا ليبرمان، تستهدفون الشعب الفلسطيني كلّه وليس قيادته فقط وإلا لماذا أقدم الأرعن ترامب على محاولة تجفيف جذور وكالة الغوث الدولية (الاونروا) وتدمير موازنتها والعمل على تصفيتها؟ لانه يريد تصفية كل أثر للقضية الفلسطينية التي ما زالت حية حتى الآن فلسطينياً وإقليمياً ودولياً من خلال قرارات الشرعية الدولية التي لا تقبل التصرف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني لقد كان العرب تركوا القيادة الفلسطينية محاصرة في المقاطعة في رام الله زمن الرئيس عرفات حين كانوا يعقدون قمتهم عام (2002) لتناقش أهم مبادرة تتعلق بحل القضية الفلسطينية ولم يستطيعوا أن يخرجوه ولو لساعات لحضور النقاش وصمتوا صمت المريب إلى أن اغتالت إسرائيل عرفات بالسم، وإذا كانوا آنذاك قد تركوا القيادة الفلسطينية بقبول الذرائع الإسرائيلية سراً، فليس لهم اليوم مبرر بقبول التآمر الإسرائيلي على القيادة الفلسطينية، أو ترك إسرائيل تنفذ مخططاتها ضد هذه القيادة التي تحول بعض العرب فيها إلى صدى للموقف الإسرائيلي في الحديث عنها، وتجنيد من يحرض عليها.
ما زال الرئيس عباس صامداً متسلحاً بإرادة شعبه ولن يخذل هذا الشعب أبداً، فهو الرائد الذي لا يكذب أهله كما قال الرسول لقومه، والذين يراهنون من العرب على إستسلامه هم واهنون، فلم يحدث أن استسلم قائد فلسطيني أو رفع علماً أبيض حتى في أشد اللحظات معاناة في حصار بيروت أو في حصار رام الله وغيرها.
سيبقى الرئيس عباس يعري بمواقفه المختلفة كثيراً من المواقف العربية المتخاذلة وسيظل بدعوته للمقاومة الشعبية السلمية شوكة في حلق الاحتلال الذي يريد إستدراج اعمالاً مسلحة حتى يقتلع الفلسطينيين ويبعدهم من وطنهم ويلقي بهم في المنفى.
الرئيس عباس معني بأمن الفلسطينيين وإفقاد إسرائيل ذرائعها في تدميرهم وهو يُشهد العالم على ذلك ويجد من العالم كل ترحيب وقبول وقد رأينا كيف تصفق له دول العالم وتحييه.
أبو مازن آخر القيادات التاريخية الفلسطينية في ثورة 1965 ممن هي في السلطة والذين لا يصنعون السلام معه لن يصنعوا سلاماً مع الفلسطينيين والذين يراهنون على إستسلامه وتفريطه لن يفلحوا ولن تتحقق رغباتهم.
أبو مازن ليس إرهابياً وإسرائيل والولايات المتحدة لم تترك له خياراً، يريدون إعادة إنتاجه كما يرغبون بل يريدون أن يخرجوه عن دينه الذي هو السلام.
لقد اتهم ليبرمان الرئيس عباس بممارسة “إرهاب دبلوماسي”، كان ذلك قبل حوالي خمس سنوات، وقال أنه أخطر من حماس على الدولة العبرية، وقال ليبرمان آنذاك: “أبو مازن يقود حملة تحريض ضد إسرائيل على الساحة الدولية وينعت إسرائيل بدولة الفصل العنصري ويتهمنا بجرائم حرب ويدعوا إلى تحقيقات مختلفة ضدنا في مجلس حقوق الانسان ويقوم بسلسلة من الخطوات احادية الجانب” هذا ما يقوله ليبرمان والحق ما شهدت به الاعداء في حين ينكر ذلك من يرددوا الصدى الإسرائيلي وإذا كنت اتفق مع ليبرمان في أن عباس أخطر على اسرائيل من حماس فلأن إسرائيل ترد على حماس بقصف غزة بطائرات الإف 16 ولا أحد يهتم في العالم ولا تشعر إسرائيل بأي إحراج لأن ذلك يديم لعبتها في التفوق وإتهام الشعب الفلسطيني بممارسة الإرهاب والاعتداء عليها، في حين يجن جنونها ويصيبها الذعر والقيادة الفلسطينية تواصل إدانتها أمام العالم وإسقاط أوراق التوت عن عوراتها وإظهارها على حقيقتها كنظام أبارتهايد مصيره مصير نظام البيض في جنوب افريقيا. غداً نكمل الحلقة الثانية
لم يتركوا كلب مزبلة إلا “وهربسوه” على أبو مازن لماذا؟؟ (1)
15
المقالة السابقة