ليس معروفاً عن «الإخوان المسلمين» خفة الظل، بل الراسخ في عقول الناس أن أعضاء الجماعة، حتى قادتها ورموزها حين يلجأون إلى السخرية أو المزاح، فإن رد فعل الناس لا يخرج عن الامتعاض أو عسر الهضم! لذلك، بدت حملة الجماعة ضد الدواجن المجمدة التي طرحتها منافذ البيع التابعة للدولة في مصر، وخلطت بين الأكاذيب والفبركات والبذاءات وبين السخرية من الحكم في مصر والشماتة في أحوال المصريين، ثقيلة الدم وغير مقنعة، فتحولت الحملة إلى مجال خصب لدى عموم المصريين المعروف عنهم خفة الظل للتهكم والسخرية والضحك على جماعة تركت السياسة بعدما تاجرت بالدين، وسعت إلى نشر العنف في الشارع وحرق مؤسسات الدولة وهدم أبراج الكهرباء ومحطاتها، واهتمت بصحة المصريين وخافت عليهم من تأثير الدواجن المجمدة. المضحك أكثر أن وسائل الإعلام «الإخوانية»، أو تلك التي تنفق عليها قطر والفضائيات التي تبث من الدوحة وإسطنبول ولندن، خصصت مساحات واسعة من وقتها وأنفقت أموالاً طائلة لتأمين مواد وبرامج تناقش «قضية الدواجن»، ما يعكس يأس الإخوان والجهات الداعمة للجماعة من تحقيق أي انتصار في الحرب التي تُشن منذ خمس سنوات بهدف إسقاط الدولة المصرية. مر أسبوع على بداية الحملة، ولم يمت أحد نتيجة تناول تلك الدواجن، فزاد تهكم المصريين على كل الجهات التي وقفت خلفها ودعمتها وأنفقت عليها وسعت إلى استثمار الموضوع، لعله يشجع الناس على الخروج إلى الشوارع والزحف إلى الميادين، والمطالبة بإسقاط الحكم وإعادة محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي! يدرك المصريون أن أجواء الانتخابات الرئاسية التي تعيشها البلاد حالياً، تفتح المجال واسعاً أمام «الإخوان» وكذلك «الثورجية» والناشطين للسعي إلى العودة إلى واجهة الحوادث مجدداً ويلحظون جهات وشخصيات غير مصرية، صارت آليات يستخدمها «الإخوان» وبينهم نخب سياسية وثقافية لم تزر مصر ولم تطّلع على الأحوال فيها، وتتلقى المعلومات من منصات إعلامية قطرية وتركية أو غربية وتصدق ما يرد فيها، ثم تبني عليها تحليلاتها وآراءها ومواقفها! فيستغرب المصريون كيف لتلك العقول أن تقول كلاماً كهذا أو تتخذ مواقف كتلك!
يقارن الناس في مصر بين رد فعل «الإخوان» تجاه غضب المصريين من حكم الجماعة وفشلها في إدارة أمور البلاد لمدة سنة، وإصرارها على «أخونة» مؤسسات الدولة، وبين مواقف التنظيم من الحكم الحالي وتجييش كل أعضاء الجماعة وعناصرها ورموزها وقادتها ووسائل الإعلام المرتبطة بها، ومراكز الأبحاث والمنظمات الحقوقية المتعاطفة أو المتورطة مع «الإخوان» لتحقيق أهداف محددة: إفشال الحكم وتحريض الناس على الثورة ونشر الفوضى في البلاد، وإشاعة الإحباط بين الناس، ما جعل التنظيم يصل إلى هذا المستوى المذري من افتعال الأزمات بشتى السيناريوات، حتى إذا ما سعت الحكومة المصرية إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين وطرحت دواجن بسعر مخفض، استلزم الأمر وضع استراتيجيات وخطط وتنسيق بين المراتب التنظيمية لـ «الإخوان» في العالم، وتقسيم الأدوار بين المنصات الإعلامية «الإخوانجية»، وصنع أفلام وتنفيذ برامج لمجرد تخويف الناس من دجاج طرحته أسواق ومنافذ بيع حكومية بأسعار مخفضة، هذا الهراء جعل المصريين يتذكرون تساؤل مرشد «الإخوان» محمد بديع في مؤتمر حاشد لـ «الإخوان» أثناء حكم الجماعة لمصر: وما ذنب النباتات؟ عندما أبدى حزنه على حصار المتظاهرين مقر «الإخوان» في ضاحية المقطم! فتساءلوا: إذا كانت الجماعة تخوض حرباً ضد المجتمع وتسعى بكل الطرائق إلى الصعود إلى السلطة، فما ذنب الدجاج؟
يدرك «الإخوان» وكل الجهات الداعمة لهم وناشطون يسيرون في ركاب الجماعة، أن الشعب المصري لن يعيد الكرة مرة أخرى، وأن ثورة جديدة لن تحدث بعدما اكتشف المصريون أن «الإخوان» استخدموا كل الأطراف واستغلوا براءة فئات شعبية خرجت في كانون الثاني (يناير) 2011 ورفعت مطالب شرعية، وأن قوى إقليمية دعمت «الإخوان» ليفوزوا بالسلطة، وهذا يفسر فشل كل المحاولات التي حصلت لتحريض الناس على التظاهر أو الانتشار في الميادين، وبقيت مسألة الغلاء وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول والفقر والعوز «أوتاراً» تعزف عليها الجماعة، وإذا ما استطاع الحكم حل معضلات تتعلق بالأمور الحياتية للناس، فإن التنظيم يكون فقد آخر ورقة في حوزته، ويبدو أن أوراق «الإخوان» تتطاير واحدة بعد أخرى فلم يعد أمام التنظيم سوى الدجاج!