عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب/ وسوى الروم خلف ظهرك روم .. إنهم يستعملون بني جلدتك عصا لتطويعك .. كان ذلك وما زال وهم يراهنون على ذلك وقد أدمنوا هذه الطريقة، وأنت الآن في حال تقول: اللهم قني شر بني جلدتي أما أعدائي فأنا كفيل بهم، منذ أن قررت عدم قبول الإدارة الأمريكية وسيطاً في عملية لم يعد فيها سلام وإنما دعم وتأييد للاحتلال وخططه.
أنت اليوم على مفترق طرق، فإما أن تواصل رحلة السراب في الزار العربي – الأمريكي المشترك، وأما أن تتوقف لتعيد النظر في الرحلة والراحلة وترى في شعبك سندك ومعينك ونبع الإرادة التي لا تنضب، هم من فرضوا عليك الخيارات على كره، وعليك أن تبصر الخيط الأبيض من الأسود وأن تنادي في الأمة أن تتوقف عن دور الفرجة، وأن يكون لها بعض الأظافر لتحك جلدها.
أشهد أنك شجاع وجريء، حين رفعت إصبعك في وجه الموقف الأمريكي الذي عمل على ابتزاز مواقفك بتهديده بإغلاق مكتبكم في واشنطن وفي جملة الإجراءات العدوانية التي لحقت.
كيف لعربيّ أن يقول لك هذا هو المقسوم؟ أو أن يستقوي بمن أعطى القدس لإسرائيل عليك؟ وكيف لهم أن يعتبروا القدس التي هي جوهرة التاج ونبض قلب الأمة أن تكون شيئاً ثانوياً؟! كيف يمكنهم أن يقولوا لك تجرع هذه الكأس وإلا أتينا لك بقيادة زرعناها في حواضن عواصم الزجاج لنزرعها في التراب الفلسطيني، وهم يدركون دون أن يتعلموا أن التراب الفلسطيني لا يحكم بقيادات الأنابيب، ولا يقبل التلقيح إلا من مناضلين يقر شعبهم ويعترف بقيادتهم.
اليوم وأنت تمضي صابراً صامداً محتسباً عند شعبك، نضالك وموقفك فإن هذا يقلقهم، فالروم الذين خلفك هم أخطر من الذين أمامك؟؟
كان صوتك في اسطنبول صوت الأمة التي ما زالت تؤمن بالقدس، وكان سعيك في عواصم العالم الذي ينصت لما تقول سعياً محموداً، وكانت معارك كسب الموقف الدولي أشد وطأة على الاحتلال من عمليات عسكرية لا سياق لها.
يريدون أن يُخيفوك بصفقة العصر أو القرن التي لا ملامح لها، وأن يجعلوا منها فزاعة حتى تقبل وتسلم ما في يدك لما هو في عقل الرئيس الأمريكي الذي لا يتذكر إلا تاريخ مراهقته.
هم يقعقعون لك بالشنان لتخشى وتخاف، ويعتقدون أن عظمك طري وهش دون أن يدركوا أن عظمك هو عظم شعبك وأن دمك من دمه ولحمك من لحمه وأن شعبك لن يسلمك حتى وإن مضيت، فستكون في وجدانه كما الراحل العظيم ياسر عرفات، وهذه ميزة الشعب الفلسطيني الذي يذكر قياداته التي ارتبطت بنضالاته.
المحاولة الآن أن يُلقى بيوسف في الجب، وأن يُؤتى على قميصه بدمٍ كذب، والذين يريدون ذلك، يريدون مواصلة كامب ديفيد المصرية حين لم يوضع علم فلسطين على الطاولة وحين انبرت أطراف عربية تتحدث باسم القضية الفلسطينية في غياب قسري لممثليها، منظمة التحرير.
اليوم يحاولون مرة أخرى تغييب الشعب الفلسطيني وقضيته وقيادته ويفتحون الخطوط الخلفية والأمامية ليطلوا على الاحتلال الذي يريد فاعلوه أن يغلقوا النافذة العربية على الشعب الفلسطيني، وأن يتفاهموا مع الاحتلال بعيداً عن حقوقه الوطنية الثابتة.
صفقة القرن وهم كبير، وهي بضاعة مغشوشة ليس من مكوناتها حقوق الشعب الفلسطيني.
آيها النظام العربي، أعطو الرئيس أبو مازن فرصة، لا تستخفوا برأي زرقاء اليمامة وهي تحذركم، إنه يرى ما لا ترون، ويدرك ما لا تدركون، إن يده في النار وليس في الماء، إن شعبه يتلقى عصي الاحتلال ولا يعدها، هل نظرتم في عيون عهد التميمي، وهل رأيتم كيف خطف الاحتلال جثة أحمد جرار ولم يبقِ إلا قميصه شاهداً على استشهاده، هل سمعتم كلام أسماء بنت أبي بكر التي بعثت في أم أحمد جرار صابرة محتسبة، هل في كل التاريخ العربي الذي ملأ كراسات مدارسنا إمرأة مثلها؟ لما تُغمضون عيونكم وتغلقون مناهجكم واعلامكم وترفعون أصوات صخب هزائمكم لتغطوا على صوتها الذي يفضح مواقفكم كما فضحت جدائل النساء الدمشقيات الواقفات على باب حاكم دمشق في زمن احتلال الفرنجة للقدس وهن يلقين بجدائلهن وقد قطعنها ورمين بها إليه قائلات “خذ هذه قيّد خيلك بها”!
لماذا لا يفزع أحد للمحاصرين في غزة التي تذوي وقد قطعت عنها أسباب الحياة، كيف تقارنون بالعهد العثماني حين أرسل السلطان العثماني عام 1834 رسالة إلى أهالي السلط يطلب منهم أن يذهبوا للدفاع عن غزة في وجه غزوة إبراهيم باشا، وهل يستطيع أهل السلط اليوم أو سواهم أن يفزعوا بعلبة دواء أو بطانية يرسلونها بحرية للمحاصرين بعد أن أصبحت الأرض العربية مستنقعات يصعب المشي المستقيم فيها؟!
إخترت يا أبو مازن أن تكون مع شعبك إلى أن يقضي الله أمراً واخترت أن تواصل دق جدار الخزان الذي يمثله الاحتلال وأنت تعيد تمثيل رواية غسان كنفاني، هم يدركون أنك في الخزان تحتمل الاختناق الذي قد يؤدي إلى الموت على أن تسلم لهم وأنت تدرك ما معنى ذلك، وقد أدركته من قبل وكتبت عنه تحت أسماء منها “حتى لا ننسى” و “ما أشبه اليوم بالأمس” و “الله لا يسامحكم” … هم أنفسهم ما زالوا يتربصون، وما زالوا يتطوعون لتدخلهم الإدارة الأمريكية حصانها الخشبي لإختراق قلعة الإرادة الفلسطينية.
هم لا يدركون أنك ما زلت تختزل عذابات الاقتلاع واللجوء وأشواك الطريق من صفد إلى دمشق، وأنك ما زلت تذكر الخذلان من العواصم الناطقة بالعربية والخذلان الأكبر في بيروت 1982 التي أعطوها بصمتهم وخذلانهم لشارون يستبيحها لثمانين يوماً ونيّف، وتذكر كيف هجمت خناجرهم على القيادة الفلسطينية حين كانت تكبوا ليمثلوا في جثتها في محاولة لإلغاء التمثيل الفلسطيني الشرعي والوحيد، لقد اثخنتوا الجسم الفلسطيني بالإنشقاقات التي آخرها إنشقاق حماس التي ادخلت الى البيت الوطني الفلسطيني تجارة الشعارات وراهنت على الايراني الذي اعتقدته صديقاً وراحت تنظر إلى دموع عينيه، وليس إلى فعل يديه في عواصم عديدة.
لقد اخترت الرهان على إرادة شعبك ومضيت تتحدث لغة العالم وأنت تحاوره في حقوق هذا الشعب، لم تكل ولم تمل من حمل صخرة “سيزيف” التي اسقطتها الإيدي أكثر من مرة لتعاود حملها إلى قمة الجبل حيث الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
نعم ستصل بهذه الصخرة وستضعها معلماً حتى ولو لم تصل الاسطورة، لقد مضيت حين كنت تُعذّب لترتد عن دين السلام الذي اعتتنقوه ولم يفهموه ولم يفهموا أن كلفته تفوق على اسرائيل كلفة الحرب التي هي بضاعتها، لقد بقيت تقول أحدٌ أحد، رغم صخرة الترويض التي وضعوها على صدرك الآن وقالوا لك تنفس!!
نعم شعبك محاصر بالاحتلال ويعيش على الكفاف وهم ينفقون لتمكين المرأة الأمريكية بما لو دفع لأحيا مدارس فلسطين تحت الاحتلال وأعاد أطفال القدس من الشوارع الى مقاعد الدراسة، لله درهم كيف تتبرع إمرأة أوروبية مسؤولة لديها ضمير إنساني بـ(13) مليون دولار لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين وهم يبحلقون مستغربين فيها وكأنهم يلومونها، في حن لم ينبسوا ببنت شفة وترامب يجفف حليب المساعدات عن أطفال المخيمات الفلسطينية في الداخل وفي المنافي.
هل لا يستطيع النظام العربي المتسابق في بناء أطول الأبراج واختيار أفضل الخيول وسباقات الهجن وأجمل رأس ماعز أن يسد حاجة أطفال وكالة الغوث ويحفظ كرامتهم التي أراد ترامب أن ينتزعها بتجويعهم وليّ يد قيادتهم؟
لو خصص النظام العربي قرشاً عن كل عربي شهرياً لعوض ما اعتبرته الإدارة الأمريكية سلاحها لتركيع الشعب الفلسطيني.
لماذا لا ينطق النظام العربي الآن لغة عربية واضحة تقول “لا لتصفية قضية اللاجئين عن طريق حجب المال الامريكي عن الأونروا”؟ ولا لضم القدس لاسرائيل عن طريق صفقة القرن التي قرأت مزاميرها في عواصم عربية وما زالت تقرأ، وحتى قبل أن يلعب ترامب دور الامام في الصلاة الجماعية العربية الاسلامية التي سميت قمة، جعل نهايتها الالتفات الى القدس التي اهداها لاسرائيل منذ دشن خطاً جديداً اراد العرب أن يعبروه دون أن يقول لهم أنه يفضي إلى مغارة الضبع!!
أبو مازن، حوّل صمتك القسري الآن إلى عمل وواصل تجنيد الإرادة الفلسطينية على الصمود وأبدأ معزوفة المقاومة السلمية الشعبية على مختلف مقاطعها، فهذا الطريق موصل حتى وإن طال، وجماعي وواسع وسيجد من يشككوا أن العالم سيرتضيه عبوراً إلى فضاء الدولة الفلسطينية واستقلالها وسيادتها مهما اختلطت الاوراق ومهما أكلت الإدارة الأمريكية بكثير من الرؤوس حلاوة التبعية.