تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان، مع اقتراب تجربتها، على إكمال نصف قرن من النهضة التي أعلنها السلطان قابوس بن سعيد عام ١٩٧٠م، وهي التجربة الأكثر عمقا في محيطها، بعد أن أنتجت كمًا من القيم المعتمدة على الانفتاح على الآخر، دون التفريط في الهوية، مسألة فكرية معقدة ظلت حديث المتخصصين في منطقتنا العربية لسنوات، بدأت ولم تنتهِ حتى الآن.
في شوارع العاصمة العبقرية مسقط، تستطيع أن تتعرف على هوية المجتمع، بنايات تعتمد العمارة العربية والإسلامية بشكل ملفت للنظر، قلاع يمتد تاريخها إلى عمق التاريخ، ابتناها العماني الأول في عصور الإمبراطورية الكبرى، عندما امتلك ناصية ركوب البحر، وتلاقى مع حضارات في الشرق وغير الشرق، تستطيع أن ترى بوضوح هذا التاريخ، عندما تجد البهاء، وقد عاد إلى قلاعها وحصونها، فأصبحت جزءًا من الحاضر العماني.
تجربة سلطنة عمان لم تركز في الحجر، بل بدأت بالبشر، فهم عماد كل تجربة وأصلها والهدف والغاية، الإنسان العماني لم يسقط في وادي الاغتراب عن جذوره، حيث ركزت عناصر النهضة العمانية على التعليم وباشرت التواصل مع كل المعارضين للنظام مع بدايتها، وطلبت من أبناء عمان بديلًا عن المعارضة أن تختار البناء من الداخل، استجاب المعارضون المشتتون في ذلك الوقت في بقاع من الأرض، عادوا وأسهموا بدورهم في تجربة بلادهم.
روى لي خبير مصري توازى وجوده مع بداية التجربة العمانية، كيف كانت عمان وأين وصلت وكيف أصبحت، على أن تجربتها الدبلوماسية واحدة من المدارس الراسخة، التي لا يُمكن لمتابع أن يتجاهل قدرتها على أداء أدوار إنسانية تمكنت من خلالها أن تصنع لنفسها دورًا محوريًا مهمًا وصاحبة إسهام في إرساء قواعد السلام والاستقرار في العالم.
يُحسب لهذه الدبلوماسية ويُحسب للسلطان قابوس بن سعيد أنه كان الحاكم العربي الوحيد، وكانت السلطنة هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تقاطع مصر أيام أن هاج العرب وماجوا ضدنا، بعد معاهدة السلام، حاصرونا فلم تكن السلطنة معهم، وظلت على عهدها ووعدها مع المصريين، انطلاقا من أن مصر هي التي ضحت، وهي التي دفعت الثمن، وحقها أن تكون سيدة قرارها.
أيضا لم يخرج العمانيون من العراق، عندما خرج الكل، وظلت سفارتهم هناك، حتى أصبحت بعد ذلك قناة التواصل العربي مع العراق العربي، هذه السياسة الحكيمة ربما كانت تعبيرا عن مجتمع واعِِ، وعقلية تم بناؤها لتكون حجر أساس في التسامح الإنساني، التسامح الذي جعل من السلطنة واحة مُستقرة في محيط هادر من الأحداث المتلاحقة، والإرهاب الأعمى، بفضل الله لم تصل نيرانها إلى وطننا الثاني في السلطنة.