تتيح الانتخابات في أي مكان في العالم فرصة ثمينة لتجديد دماء النخب السياسية وطرح برامج تنافسية يختار الناخب من بينها ما يرى أنه الأقدر على طرح حلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع في مختلف المجالات.
وكلما زاد عدد المرشحين وتنوعت مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية ازدادت البرامج المقترحة وازدادت بالتبعية فرص الاختيار من بين أفضلها. غير أن ما يحدث في مصر منذ قرار المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في ذلك الوقت، بالترشح في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 حول تلك الانتخابات من فرصة إلى عبء.
فلم يخض انتخابات 2014 أمام المشير السيسي سوى مرشح واحد، هو الأستاذ حمدين صباحي، مرشح التيار، ولم يشارك فيها سوى أكثر قليلا من 40 % من إجمالي الناخبين.
وبينما حصل الأول على حوالي 97 % من إجمالي الأصوات الصحيحة، لم يحصل الثاني إلا على حوالي 3 % وجاء ترتيبه الثالث لأنه حصل على نسبة أقل من نسبة الأصوات الباطلة!!.
ورغم أن ما جرى عام 2014 اعتبر حدثا اقرب إلى الاستفتاء منه إلى الانتخابات، فلم يكن بمقدور أحد إنكار أن السيسي كان يحظى لأسباب كثيرة بشعبية كبيرة لا يمكن إنكارها.
ولأن قدراته ومهاراته في إدارة الدولة والمجتمع لم تكن قد خضعت بعد لأي اختبار عملي، فقد اعتقد البعض أن شجاعته في الإطاحة بجماعة الإخوان التي انزعج كثيرون من سلوكها عقب الثورة تؤهله للقيام بدور «المنقذ»، ليس فقط من حكم الجماعة ولكن من نظام الفساد والاستبداد الذي خيم طوال فترة حكم الرئيس المخلوع.
غير أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن. فسرعان ما تبين لقطاعات شعبية عريضة، راحت تتزايد باستمرار، أن الرئيس السيسي يفتقد لأي رؤية سياسية، وليس لديه أي مشروع للتحول الديمقراطي أو للتنمية المستقلة المعتمدة على الذات.
ولأنه ينتمي للمؤسسة العسكرية، ولم يسبق له ممارسة أي نشاط سياسي من قبل، فقد اعتمد في إدارته للدولة والمجتمع على أجهزة الأمن وحدها، خاصة جهاز المخابرات الحربية الذي كان يقوده إبان ثورة يناير، مفضلا إحاطة نفسه بأهل الثقة بدلا من أهل الخبرة، وبدا كارها للسياسة والسياسيين وللثقافة والمثقفين.
لذا حاول ان ينحت لنفسه نظاما سياسيا على مقاسه، وتمكنت أجهزته الأمنية من «هندسة» برلمان بلا لون أو أغلبية سياسية، ومن ثم أمكن السيطرة عليه بسهولة وسرعان ما تحول إلى أداة في يد السلطة التنفيذية.
فإذا أضفنا إلى ما أتقدم أن المشاريع الاقتصادية الضخمة التي شرع في تنفيذها تمت دون دراسات جدوى، ومولت بقروض باهظة التكلفة، وأن الطبقات الفقيرة هي التي تحملت العبء الأكبر من تكلفة القرارات الاقتصادية التي اتخذها، لتبين لنا لماذا تآكلت شعبية السيسي تدريجيا طوال فترة ولايته الأولى.
حين بدأت هذه الفترة تشرف على الانتهاء وبدأت الاستعدادات لانتخابات رئاسية جديدة، أعرب عدد من المرشحين عن نيته في خوضها، كان من بينهم أحمد شفيق وخالد علي ومحمد أنور السادات والضابط المهندس أحمد قنصوة، أما آخرهم فكان الفريق سامي عنان الذي ألقى بيانه حجرا كبيرا في مياه السياسة الراكدة في مصر.
غير أن المناخ الذي فرضه الرئيس السيسي على الحياة السياسية وإصرار الأجهزة الأمنية على استئصال أي مرشح قوي، أطاح تباعا بكل من أعلنوا عن نيتهم في الترشح.
فقد تم اختطاف أحمد شفيق وفرضت عليه إقامة جبرية دفعته للتصريح بأنه «ليس الرجل المناسب لقيادة مصر في المرحلة الراهنة»، وحوكم أحمد قنصوة عسكريا وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، مما دفع محمد أنور السادات للانسحاب طواعية كي لا يتعرض «للبهدلة» دون داع.
ولأن أحدا لم يتوقع مطلقا إلقاء القبض على الفريق سامي عنان وحبسه، وهو ما حدث فعلا، لم يكن أمام خالد علي، المرشح الوحيد الباقي في الحلبة، سوى إعلان الانسحاب.
وحين أصبح المشير السيسي مرشحا وحيدا وبدا السباق الرئاسي أقرب إلى الاستفتاء منه إلى الانتخابات، بدأت الأجهزة الأمنية تبحث عن مرشح كومبارس، واعتقدوا أنهم وجدوا ضالتهم في السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، غير أن أعضاء الهيئة العليا للحزب وجهوا له ولهم لطمة قاسية. ثم جرى البحث عن «كومبارس» آخر.
تلك هي الانتخابات الرئاسية على الطريقة السيساوية، وربما يكون للحديث بقية إن حدثت تطورات أكثر إثارة!
* د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.