مرت السنوات عصيبة عامرة بالأحداث والمعضلات والانتصارات والانكسارات والاحتفالات وسرادقات العزاء. اليوم الذكرى السابعة لأحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، قل عليها ثورة أو انتفاضة أو «هوجة» أو مؤامرة أو مخططاً خارجياً أو حلم الإخوان الضائع لا فرق، فالتسميّة لن تلغي ما جرى أو توقف تداعياته، المهم أن مصر نجت من مصير آلت إليه دول أخرى بفعل أحلام مماثلة! والأهم أنها تجاوزت مرحلة الإخوان وإن بقيت آثارهم ومحاولاتهم للانتقام والثأر والعودة! بعد سبع سنوات من هتاف الإخوان «والثورجية» الشهير: «يسقط يسقط حكم العسكر» يملأ التنظيم الآن الدنيا صياحاً وضجيجاً وصراخاً نصرةَ لرئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان، الذي كان واحداً ممن ثار الإخوان وداعميهم وحلفائهم وشركائهم ضده وضد حكم مبارك! المفارقة مثيرة للسخرية بالفعل كغيرها من المفارقات والتصرفات التي كُشفت بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011: التحالفات التي تتغير، والمواقف التي تتبدل، والمصالح التي تتعارض ثم تتصالح، والدول التي تدعم الإرهاب وتدّعي مواجهته، والرموز التي تتهم الأميركان ثم «تتسكع» في أروقة البيت الأبيض، واليساريون الذين بنوا تاريخهم على مواجهة الإخوان ويسيرون الآن في ركاب الجماعة ويرفعون شعاراتها، والمعارضون الذين ينالون ثمن مواقفهم ولا يدفعون ثمن قناعاتهم!
حلت الذكرى السابعة لأحداث 25 كانون الثاني (يناير) ومصر على أعتاب انتخابات رئاسية جديدة وأتت قضية الفريق سامي عنان لتعطي الإخوان وداعميهم شحنة نشاط لمزيد من الأكاذيب والشتائم والفبركات والبذاءات! موضوع عنان رهن التحقيق الآن، لكن الأهم حال الإحباط الذي أصاب كل الأطراف التي احتشدت للوقوف خلفه ومساندته والهتاف له بعدما تبخرت أحلامهم، خصوصاً وأن قرار الترشح احتفت به وسائل الإعلام القطرية وروّجت له القنوات التلفزيونية المعارضة التي تبث من مدن تركية، واشتغلت عليه اللجان الإلكترونية الإخوانية. بالطبع كان لافتاً غياب أي رد فعل شعبي داخل مصر يعارض الإجراءات التي اتخذت ضد عنان، وهو أمر أصاب الفريق الداعم لحملته بغضب تحول إلى سعار وصل ببعضهم حد الجهر بالدعوة إلى اغتيال الرئيس المصري رداً على تبدد الأمل، واليأس من جدوى كل الجهود التي بذلت والأموال التي أُنفقت، والوقت الذي ضاع لإسقاط الدولة المصرية أو إبعاد السيسي أو تقسيم الجيش أو نشر الفوضى أو إحداث فتنة أو إشاعة الرعب بين فئات الشعب المصري. هكذا وضع الإخوان وحلفاؤهم كل البيض في سلة عنان مع أن مسألة فوز الرجل في المنافسة الانتخابية كانت محل شك كبير، بل إن كل المتابعين للشأن المصري يدركون جيداً أنه كان يعاني صعوبات في تأمين عدد التوكيلات التي تلزم ضمان ترشحه، ورغم استعداد الإخوان لتجييش عناصرهم للاقتراع لصالحه، فإنه لم يكن ليمثل تهديداً حقيقياً لفرص السيسي في الفوز بالانتخابات. مشكلة عنان أنه دخل سوق الانتخابات الرئاسية محسوباً على الجماعة، وبدا وكأنه لا يدرك، تماماً كما لا يدرك حلفاء الإخوان، أن مشكلة ذلك التنظيم ليست مع الحكم بالدرجة الأولى، إنما هي أساساً مع الشعب المصري الذي أظهر مراراً مواقف تؤكد رفضه السماح بعودة الجماعة إلى واجهة الأحداث مجدداً أو القبول بمرشح يستقوي بالإخوان ويحظى بدعم حلفاء الجماعة وأموالهم. هذا ما فسر حال الحزن الشديد الذي ضرب أعضاء فريق الإخوان الذين تعبوا في تسويق تحولهم نحو تأييد مرشح عسكري وهم الذين ظلوا يهتفون، لا لحكم العسكر، وأجهدوا لجانهم الإلكترونية في البحث عن مبررات لتأييد مرشح سبعيني، وهم الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بقصص تمكين الشباب، وأهلكوا قنواتهم برامج وحوارات لإقناع أتباعهم بتأييد مرشح صنع تاريخه العسكري في عهد مبارك وهم الذين ثاروا على مبارك ورجال حكمه. يتساءل الثورجية والنشطاء ممن ارتضوا بأن تمتطيهم جماعة الإخوان عن أسباب غياب أي رد فعل داخل مصر مناصر لعنان أو حتى متعاطف معه؟ هم لا يدركون إلى أي مدى صارت قرارات الجيش وأفعاله انعكاساً لرغبات شعبية، ليس لكون التحديات التي واجهتها مصر منذ ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان كبيرة، أو لكون نسيج الجيش وتكوينه عاكساً للفئات الاجتماعية والجغرافية في مصر، ولكن أيضاً لأن الجيش مهمته تحقيق طموحات الشعب وليس أحلام الجماعة، ولا يمكنه التغاضي عن حقوق الشهداء الذين راحوا ضحايا الإرهاب وعنف الإخوان ومؤامرات حلفائهم، ولا يمكن أن يقبل بمرشح لا يستند إلى قاعدة شعبية، وإنما إلى ظهير إخواني ودعم قطري تركي ورعاية غربية.