عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – لماذا لا يتسائل العالم الذي أعطى مئات القرارات للقضية الفلسطينية ولم يُنفذ منها واحداً .. لماذا لا يتسأل لماذا؟ ويعود أبو مازن للمطالبة “بحك الجلد الفلسطيني بالأظفر الفلسطيني”، ويدعو للمصالحة وكأنه يقول بعد كل تلك الجولة التاريخية والسياسية في المواقف “ماذا يفيدنا حين نكسب العالم ونخسر أنفسنا” ويقصد بذلك المصالحة الفلسطينية التي طال إنتظار الشفاء من جراحها واستمر النزف والإنقسام وظلت المبررات الواهنة تشكل ذريعة ومستنداً لدى قوى إستفادت من الإنقسام وأرادت تكريسه على حساب الشعب الفلسطيني ويرى الرئيس عباس أنها أي المصالحة خيار لا بديل له ولا مهرب منه وأنها ضرورة لا يجوز إستمرار الخروج عليها ويدعو من أجلها حماس إلى تمكين الحكومة الفلسطينية من عملها .. إنه يريدها من أجل أن تكون القضية الفلسطينية أكثر حضوراً وأن يكون الشعب الفلسطيني أقرب لأهدافه فيها وهو يريد لها أي المصالحة نتيجة واضحة وعميقة لخصها بالقول “نريد دولة واحدة وبنظام واحد وبندقية واحدة بنظام عسكري واحد” ..
أبو مازن يدرك التعقيدات والصعوبات وأمام ذلك وهو يدرك أيضاً أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة .. لأنه في نهاية المطاف ومهما طال الزمن لن يقبل دولة في غزة ولا دولة فلسطينية بدون غزة ..
ولا ينسى في خضم الشكوى وعرض الحال وطلب مناصرة المجتمع الدولي من أن يذكر إبداع الفلسطينيين وتفوقهم ومساهماتهم العالمية المشهودة .. ففلسطين تحت الإحتلال ومواردها مكدودة أو مصادرة ومع ذلك تساهم وتدعم وتكافح من أجل الحرية وغدٍ أفضل ..
ويرى أن هناك إمكانيات هائلة لدى الشباب الفلسطيني للإبداع والتميز ولدى الفلسطينيين قدرة على جلب الإستثمارات الخارجية من رؤوس أموالهم المغتربة في المنافي أو حتى من رؤوس أموالهم .. ويرى أن الواجب يحتم أن يُساعد الفلسطينيون في المنفى وخاصة في مخيمات اللجوء وتحديداً في لبنان .. ولذا ظل هاجس الرئيس أبو مازن كيف يساعد سكان هذه المخيمات الذين حرموا من العمل ومن حقوق المواطنة وحرم أولادهم من الدراسة الجامعية فكان صندوق بإسمه لذلك، وقد تعهد أن كل طالب ينهي الثانوية بنجاح يمكنه الحصول على منحة دراسية وكانت الأعداد قد وصلت إلى (2800) طالب وطالبة يتعلمون ويتخرجون ليبدأ غيرهم ..
وطول مراس الرئيس وخبرته مكنت إدارته من الإلتفات لقضايا داخلية عديدة غير التعليم والثقافة ومتابعة المبدعين والمميزين فكانت أيضاً هيئة تسوية الأراضي التي تقوم بعمل مهم من أجل حماية الأراضي من التسريب للإحتلال وقد جرى تسجيل ثلث الأراضي التي تحتاج إلى ترسيم ..
وفي بُعدٍ آخر أيضاً، جرى تأسيس المكتبة الوطنية وهو ما أطلق عليه قصر أبو مازن وهو قصر ضيافة، فقرر الرئيس أن تكون مكتبة وطنية قاطعاً بذلك دابر التخمين والتخريص ومؤكداً على أن تكون مكتبة وطنية لكل الأجيال الفلسطينية ..
لقد طرق الرئيس أبو مازن أبواباً عديدة في الداخل والخارج ووسع دوائر العمل وحقق العديد من المكاسب وكانت إضافته للعمل الوطني المثمر هي الأوسع في تاريخ النضال الفلسطيني منذ بداياته .. إذ أن الرئيس اعتمد على مبدأ المؤسساتية في العمل مؤكداً على هذا الجانب وهو ما مكنه من تحقيق أهداف عديدة في العمل السياسي والدبلوماسي الخارجي إنتصاراً لقضية شعبه .. فقد حصلت فلسطين بعد معاناة على موقع دولة مراقب وستحصل، والعمل يسير على نفس النهج على كامل العضوية .. ودخلت الشراكة الفلسطينية إلى العديد من المنظمات الدولية كالإنتربول التي ستبدأ نتائج الإنضمام لها تظهر ..
الرئيس توقف عند الخطوة الإميركية التي إتخذتها الإدارة الأميركية في تخفيض المساعدات للأونروا وأعتبرها عقوبة للشعب الفلسطيني ومحاولة إبتزاز رخيصة لقيادته للفلسطينيين وحذر من ذلك وتساءل كيف تعمل الإدارة الأميركية على محاولاتها إلغاء الأونروا وقضية اللاجئين ما زالت لم تحل .. حتى أنه أي الرئيس عباس نفسه ما زال لاجئاً ..
وهدد الرئيس بكشف قوائم بأسماء الأشخاص الذين يعملون في الإستيطان سواء كانوا أفراداً أو شركات وقال إن القائمة تصل إلى (150) شركة ..
ثم توقف في كلمته الطويلة عند البند السابع لحقوق الإنسان الخاص بفلسطين والذي حاولت الإدارة الأميركية أن تلغيه ولكنها لم تستطع كاشفاً أن هناك قرار في قمة عمان عام 1980 نص على “أن كل دولة تعترف بأن القدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتها إليها يجب أن نقطع علاقاتنا معها” ..
وفي الخلاصة فإن كلمة الرئيس الطويلة والعميقة والعلمية قدمت جرداً لحساب تاريخي نضالي للشعب الفلسطيني الذي أسماه الرئيس شعب الجبارين .. وتشعبت كل مراحل نشوء القضية الفلسطينية وما واجهته حتى اليوم ..
لقد لفت الرئيس الإنتباه إلى نقاط جوهرية أبرزها أن النضال الفلسطيني رغم العقبات الذاتية والموضوعية الداخلية والخارجية لم يتوقف وأنه ظل يؤشر باتجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية وخاصة حق تقرير المصير بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ..
كما لفت الإنتباه إلى أن المؤامرة كانت دائماً تستهدف القرار الفلسطيني المستقل وعدم تمكين الفلسطينيين منه وإختيارهم لقيادة وطنية فلسطينية ظل التنازع الإستعماري الصهيوني معها قائماً واستعملت مختلف الأدوات في أن لا يكون للشعب الفلسطيني قيادته الوطنية التي تقوده لأهدافه .. وسجل التنازع مع القيادة الفلسطينية مليء والمحاولات لتغير تلك القيادة كان وما زال والفلسطينيون يدركون ذلك ويدركون أن الحركة الصهيونية ظلت تستعمل أداوات مختلفة وأحياناً عربية لإنجاز هذه المهمة ..
والنقطة المهمة الأخرى أن الفلسطينيين وهم شعب هذه الأرض جرى من جانب الإنتداب البريطاني ثم الحركة الصهيونية تسميتهم بعرب فلسطين ليس حباً في قوميتهم وإنما لتجريدهم من حقهم في فلسطين أو نسبتهم إليها باعتبارهم إمتداد للعرب وبلدهم أي مكان عربي فلم يسمى المصريون عرب مصر ولا الأردنيين عرب الأردن بل مصريون وأردنيون، في حين سُمّيَ الفلسطينيون عرب فلسطين تمييزاً لهم وافساحاً المجال لغيرهم في فلسطين.. على حسابهم ..
أما النقطة المهمة الأخرى فإن الحديث الموجه من الصهيونية وأنصارها ظل يتحدث عن القضية الفلسطينية وليس الشعب الفلسطيني وكأن هذه القضية بلا مضمون وبلا شعب وانسحب ذلك في تعامل الأنظمة العربية التي فرقت بين الشعب الفلسطيني وبين قضيته .. وبدلاً من دعم هذا الشعب وهو مضمون القضية و روحها وجسدها ظل الحديث يجري عن شيء مجرد وهو القضية وهذه المسألة مهمة وقد أثارها أخيراً في الأزهر رئيس مجلس النواب الكويتي (مرزوق الغانم) بشكل واضح وعلمي حين قال “إن الجدير بالدعم هو الشعب الفلسطيني من أجل إستمرار كفاحه وصموده فوق أرضه” ..
خطاب الرئيس أبو مازن أمام المجلس المركزي تتبع المحطات التاريخة ورسم خريطة طريق لكفاح الشعب الفلسطيني ودعى الفلسطينيين إلى الاعتماد على الذات وإلى رص الصفوف والمصالحة الوطنية الآخذ بالمقاومة الشعبية السلمية وإلى استمرار كسب العالم إلى جانب هذه القضية العادلة والتأكيد على محاربة الإرهاب الذي لا بد من إستمرار تميزه عن المقاومة المشروعة التي هي حق للشعوب الواقعة تحت الإحتلال في أن تتبناها .. مؤكداً على خصوصية القضية الفلسطينية من خلال قرارات عميقة للواقع القائم وإحسان إختيار الأدوات النضالية المناسبة فيه ..
هذا الخطاب الطويل هو وثيقة تاريخية هامة وصفحة من صفحات التاريخ الفلسطينية تعكس تشخيص الواقع والربط بين الماضي والحاضر ..أردت أن اتتبعه بالتعليق والربط ليكون هذا التعليق الذي أردته في حلقات جزأ من كتاب أعده الآن بإسم “طول المراس في تجربة الرئيس عباس” أضيفه إلى رؤية الرئيس عباس، التي ظل يترجمها في سلوكٍ واضح ..