العنوان لا يكشف شيئًا جديدًا، كما لا يضيف معلومة جديدة إلى رصيد ما انكشف من حقائق ساطعة كالشمس لا يمكن تغطيتها بغربال، إلا أن توثيق الأحداث واستلماح نتائجها واستنتاج أهدافها يبقى أمرًا ضروريًّا؛ لكونها جزءًا مهمًّا من تاريخ المنطقة.
ولعل ما يدعو إلى تأكيد حقيقة العنوان هو التطورات اللافتة في الملفين السوري والفلسطيني، وذلك لكونهما مرتبطين ارتباطًا تاريخيًّا وثيقًا؛ فالتكالب على سوريا الماثل في المعسكر التآمري بقيادة الولايات المتحدة والمتعكز بالإرهاب لتدمير الدولة السورية وتقسيمها إلى كانتونات طائفية عرقية متناحرة، هو من أجل الوصول إلى الهدف الأكبر والحلم الأعظم لدى الحليفين الصهيو ـ أميركي، وهو استكمال سرقة فلسطين كل فلسطين؛ فبعدما تم تحييد مصر بمعاهدة كامب ديفيد، وتدمير العراق وإخراجه من المعادلات الإقليمية ومعادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ثم تدمير ليبيا وإخراجها من المعادلات ذاتها، كان لا بد من تفكيك آخر حلقات النظام العربي؛ أي سوريا واليمن؛ وبالأخص سوريا التي قدمت ولا تزال تضحيات جسامًا من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل الشعب الفلسطيني ومقاومته.
والتدمير الممنهج والمتواصل في سوريا من قبل معسكر التآمر والعدوان، لا يعكس حجم السخط والحقد والكراهية على الدولة السورية وشعبها وجيشها وقيادتها وحجم العقاب الموقع عليها فحسب، وإنما يعكس أيضًا إلى أي مدى بلغه دور هذه الدولة العربية في مواقفها ومساندتها للشعب الفلسطيني، وعدائها للاحتلال الإسرائيلي، بحيث تتكالب عليها أكثر من ثمانين دولة وتوغل في سفك دماء شعبها. كما أن صمود هذه الدولة العربية الشقيقة (شعبًا وجيشًا وقيادة) في وجه مخطط إرهابي كوني تكفيري تدميري تدعمه تلك الدول مجتمعة يعبِّر عن ما تتحلى به من مبادئ وقيم ومصداقية، سواء مع نفسها أو مع عروبتها وقوميتها، فقد أصبحت ممسكة ـ بفضل صمودها واستبسالها ـ بأكثر من خمسة وتسعين في المئة من التراب السوري، مُنْزِلةً أقسى الهزائم بتنظيمات الإرهاب والتكفير والظلام والارتزاق، وضاربةً عصب معنوياتها ومعنويات داعميها ومشغِّليها، وباتت على أبواب النصر المؤزر.
ولما كانت سوريا وفلسطين تمثلان ارتباطًا وحدويًّا وعقيدة واحدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، فإن خروج الدولة السورية منتصرة على مخطط تدميرها، سيعني أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ـ باعتباره الطرف الأصيل في المخطط ـ قد رجع من سوريا بخفي حنين، وبالتالي قد خسر كل شيء، وانقشعت أحلامه التلمودية. لذلك يحاول الأميركي الحضور بصورة أكبر عبر إعادة تحويل تنظيم “داعش” الإرهابي إلى جيش سوريا الجديد، الذي تَدْخُل في صلبه ميليشيات كردية انفصالية باعت وطنها السوري، وقرارها السيادي والمستقل لسيدها الصهيو ـ أميركي ـ، وكذلك محاولة التركي الدخول على خط تعقيد الأزمة، وخلط الأوراق على خلفية مزاعم الخطر الذي يشكله الأكراد بائعو الوطن السوري لسيدهم الأميركي، من أجل منع سوريا من إعلان النصر المؤزر على مخطط الإرهاب والتدمير، والاستمرار في استنزافها وابتزازها. فمن الواضح أن الأميركي وعملاءه وأدواته يريدون أن يصلوا إلى معادلة تسوية مقابل تسوية؛ أي تسوية الأزمة ورفع عصا الإرهاب العابر للحدود عن سوريا، مقابل التسوية في فلسطين بتمرير الصيغة التي يشتغل عليها الصهيو ـ أميركي وبإسناد من عملائهما والمعروفة بـ “صفقة القرن”، وهي ـ كما وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها “صفعة القرن” ـ تهدف إلى سرقة فلسطين كل فلسطين. وإلا لماذا كل هذا التكالب الإرهابي الإجرامي على سوريا وتدمير بناها الأساسية وقتل شعبها وتهجيره؟ أليس الهدف هو ضرب الدور السوري لكونه آخر العقبات أمام تمرير مخطط تصفية القضية الفلسطينية والتهام فلسطين بأكملها؟ لكن السؤال الذي يفرض نفسه أيضًا هو: هل الأميركي والتركي قادران على ابتزاز سوريا وفرض إملاءاتهما عليها؟ في تقديري، أنهما غير قادرين، فمن صمد لسبعة أعوام قادر على مواصلة الصمود، فجائزة الترضية التي منحها الأميركي لحليفه التركي والمتمثلة في مدينة عفرين بشمال سوريا، لن تكون ورقة بيد أحد (التركي أو الكردي)، بقدر ما تبين أن التركي والكردي ضحية للأميركي الذي نفض يديه عن حماية الكردي، وأوقع التركي في مصيدة الكردي والدولة السورية، ليتأكد التركي أن أمنه لا يضمنه أفراد، وإنما تضمنه دولة بحجم الدولة السورية، وبالتالي لا بد من احترام سيادتها واستقلالها والتعامل معها، وليكتشف الأكراد أن خيانة الوطن والعمالة نهايتها وخيمة، ومن يبع قراره ووطنه ليس سوى مجرد أداة يُتخلص منها بعد الانتهاء من وظيفتها، ولعل تخلي الأميركي عن عفرين أبلغ دليل على أن السيادة والاستقلال والهوية والكرامة والأمن والاطمئنان أساسيات لا تتحقق إلا في ظل الدولة الواحدة.
التكالب على سوريا يستميت لسرقة فلسطين/خميس التوبي
10
المقالة السابقة