عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب/ وكأنه قال لحواريه وأنصاره وصحابته من المؤتمرين في المجلس المركزي في 13/1/2018 إصمدوا وصابروا ورابطوا فهم اليوم وكأنهم في شعب أبي طالب محاصرين، لأنهم يدعون للحرية ويصرون على نيل حقوقهم والإمساك بقدسهم التي يراودهم عليها الأعداء وبعض الأشقاء.
يدرك أبو مازن الذي “بق البحصة”، ولم يشرق بماء فمه أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة عليه وعلى شهداء وأسرى وجرحى فلسطين .. ويدرك أن الخذلان قديم وأن المسيرة وعرة ومعقدة وفيها عبرة لمن يعتبر .. ونصيحة لأولئك الذين راهنوا وما زالوا يراهنون على غير “الظفر الفلسطيني لحك الجلد الفلسطيني”، سواء كان هذا الرهان عربياً مشروطاً أم إقليمياً له أطماع، ويريد أن يجعل من القضية الفلسطينية أداة لتحسين أوضاعه أو زيادة مكاسبه أو شراء بضاعته لأن هذه القضية التي استخدمت كقميص عثمان بقيت مادة جذب وإغواء وإغراء حين كانت تستخدم على غير الأهداف الوطنية أو القومية أو حتى الإنسانية ..
لم يقل أبو مازن لرفاقه وصحابته أنه أكمل لهم نضالهم بل أكد لهم أنه سيظل معهم ما بقي فيه ومضه من عطاء ولكنه قال لهم “تمسكوا بالمقاومة الشعبية السلمية التي لن تضلوا ما تمسكتم بها في هذه المرحلة لأنها إستجابة للإستطاعة التي يستطيعها شعبنا كله، فهي التي توحده وهي التي تضمن انخراطه جميعه وليس قلة منه في مشروعنا الوطني المقبول والمشروع والمقر دولياً ..
قد يكون هذا هو ربع الساعة الأخير لأبي مازن الذي لن يبرح موقعه في (معركة أحد) لأستعجال الغنائم ولو كانت ذهباً أو فضة كما قال، لأن المرابطة وعدم التفريط هي شروط الإمساك بالقدس وعدم السماح ببيعها في سوق النخاسة الأميركي الذي يتسابق عليه الشراة تسابق أمراء الطوائف على شراء الجواري!!
ما زالت القدس فيه وهي درّة التاج وزهرة المدائن وإليها تُشد الرحال ويَشدُ الرجال إرادتهم ويهون في سبيلها الأسر والإستشهاد ومن أجلها خرجت عهد التميمي وستخرج نساء كثيرات ورجال كثيرون وهي التي من أجلها تخرج المرأة دون إذن زوجها والصبية أو الصبي دون إذن أهله .. ستبقى القدس هكذا عنوان الفلسطينيين وبوصلتهم وميزان نضالهم وحجر الزاوية في بناء وطنيتهم وكلمة السر في علاقاتهم القريبة والبعيدة .. ولن ينزع عنها أبو مازن صفاتها طال الزمن أو قصر .. سواء تفرقت الأمة تجمعت عليها الأمم “تجمع الأكلة على قصعتها”..
القدس دونها “خَرط القَتاد” وهي لن تكون للإسرائيليين عاصمة أو مدينة أبدية “حتى يُحالفَ بطَنَ الراحةِ الشَعُر” وستبقى الهامة تحوم فوق رؤوس الفلسطينيين “تقول إسقوني” ما دامت القدس عطشى لإرادة التحرير ..
إن أردتم أن تقرأوا أبو مازن (وقراءته ليست بسهلة لأنه لا يعرض نفسه لأشعة الإعلام كثيراً) .. فاقرأوه في لحظة الصفاء والإنفعال الأخيرة حين تحدث في المجلس المركزي وقد حمل للمنصة ثقافته وأكاديميته ووعيه وخبرته ومعرفته ودهائه ودبلوماسيته ووطنيته وإنفعاله الصادق وإخلاصة لقضية شعبه ..
قالها القدس بأهمية مكة للذين لا يريدون إعراب الجملة المقدسية أو الذين ينشدون خلف المنشد الأميركي أن القدس جملة معترضة أو غير قابلة للإعراب أو أنها من الهامش وليست من المتن..
للذين لا يعرفون أبو مازن أو يشفقون على الشعب الفلسطيني لحاجته إلى قيادة أخرى .. عليهم أن يقرأوا كامل النص وعمق تجربته وأن يقرأوه في الغرف المغلقة والكواليس التي زرع فيها نفس المواقف التي يزرعها فوق الطاولة وتحتها وفي الأدراج، فلغة الرجل واحدة غير قابلة للتأويل ولا تتلون بتلون المناخ أو موائد العواصم .. وهو على مذهب الإمام الشافعي إبن غزة إن صلى، وعلى نهج أولئك القادة الذين رفعوا في البناء الفلسطيني وأعلوا من مداميكه منذ الحاج أمين الحسيني مروراً بالشقيري ووصولاً إلى عرفات رفيق نضاله ..
كنا نستمع لأبو مازن الباحث والدارس والمستخلص لدروس التاريخ في رواية الصادق المستلهم نضال شعبه وتضحياته ..
لقد كشف حجم الفجيعة والخسران وهو يسأل .. هل تريدون دولة عاصمتها أبو ديس؟ “هيك عرضوا علينا” .. وعلى المزايدين أن يدركوا أنهم إنما يعيدون عزف مزامير من عرضوا .. وعليهم أن يتوقفوا عن قراءة هذه المزامير ليردوها إلى أصحابها لا أن يقرأوها عليك يا سيادة الرئيس لأنك ترفضها وتصر على رفضها وتعبئ من أجل ذلك .. وللذين لا يريدون قراءة اللحظة والمكان أن يتأملوا القول ” نحن هنا .. باقون، لن نرتكب أخطاء الماضي عام 1948 ولا أخطاء 1967 .. باقون رغم الإحتلال والإستيطان ولن نرحل” ..
ولو أن وقتك يا أبو مازن في الحديث المكثف يسمح لأنشدت قصيدة الراحل توفيق زياد الذي أحببته
” إنا هنا باقون .. فلتشربوا البحرا ..
نحرس ظل التين والزيتون … ونزرع الأفكار كالخمير في العجين ..
برودة الجليد في أعصابنا … وفي قلوبنا جهنم حمرا ..”
وأنت يا سيادة الرئيس تدرك أن جذورك وجذور شعبك قد رست قبل ميلاد الزمان وقبل تفتح الحقب وقبل السرو والزيتون ..
وقد قلتها وأنت تُعرّف بنفسك وشعبك وتشير إلى ذلك في كتب الآخرين “هذه بلادنا من أيام الكنعانيين .. نحن أسلاف الكنعانيين .. ولم نغادر هذه البلاد منذ الكنعانيين وشاهدنا في التوراة” وقد ذكرت أن شعبك سبق قدوم إبراهم الخليل إلى وطنك .. ولأن هذه الجذور عمرها عمر الزيتون الروماني وأقدم، فإنك وشعبك لن تغادر ولن تعتمد المنافي بديلاً .. لا تعتذر ولا تقول أنك خرجت عن النص لأنك منزعج، بل خرجت عنه وعليه لأنك واثق بعدالة قضيتك متيقن أن اكثر الممتد إليك هي سكاكين حادة وليست أيدي حانية وإن كان بعضها ممتداً فلأنها ما زالت تمسك بشيء من عروبتها !!
قلت “الحرة تجوع ولا تاكل بثدييها” وأنت ترد على الإرهابي الذي يجفف ضرع وكالة غوث اللاجئين عن أطفال فلسطين في مخيمات الجحيم منذ 1948 وقد أمسكه العالم الآن متلبساً في جريمة إنسانية ترقى لجرائم الحرب، فما علاقة تجفيف حليب “الأونروا” عن الأطفال بمعاقبة أبو مازن؟ أليست هذه عقوبات جماعية يا مستر ترامب؟ وهل تريد من اللاجئين الذين حرمتهم سياستك المنحازة لإسرائيل من العودة إلى حضن وطنهم الدافئ أن يقولوا لك شكراً وهو من قبيل أن تشكر المغتصبة مغتصبها ؟!!
يا أبو مازن .. أنت لا تُكّبر حجرك .. فقد ظل حجر الإنتفاضة يجوب كل دول العالم قبل أن يسقط على الرأس الإسرائيلية المحمية ولكنه كان في النهاية يصلها ويصيبها ويخترق حمايتها وها أنت بإصرارك وسعيك الدبلوماسي النضالي تخترق وبما هو أقوى من الحجر عواصم العالم ومحافله وهيئاته لتضرب الرأس الإسرائيلية العنصرية في محكمة الجنايات الدولية وتشكو الجرائم المرتكبة بحق شعبك في منظمة الإنتربول وتطالب بإمساك الفاعلين. وفي اليونسكو لتحفظ للقدس تراثها وهويتها وصلتها الأبدية بالشعب الفلسطيني، الذي أعطاها ملامحه وصفاته ولغته وخشوعه وتصوفه رغم سياسات التهويد والأسرلة وتحفيظ الدروس العبرية وتعين معلمين للتقوية فيها ورغم مزاحمة عتاة الصهيونية وأولهم شارون لإمتلاك بيوت قديمة في القدس يزاحمون فيها أهلها الصابرين ونموذجهم عائلات قرش وفرج وشماسنة وآل السعدي وصلاح وغيرهم ..
أيها الرئيس ما زلت تنشد وتقول “أحدٌ أحدٌ أحدٌ” رغم العذاب المتمثل في الضغوط عليك من المعلن والمخفي، من البعيد والقريب، وما زلت تقول لهم “لا وألف لا” تقول لهم ولكبيرهم الذي علمهم السحر .. لترامب وغير ترامب .. لترامب ولعبيده وجواريه ومن ساروا على هديه وارتضوا بالتبعية العمياء له ليحموا مواقعهم وأدوارهم التي لم تعرفها بعد غالبية شعوبهم، وهي الأدوار التي بدأت أوراق التوت تتساقط عنها لتظهر عوراتهم وسوءاتهم قديمها وحديثها، ما أصاب القضية الفلسطينية منها وما أصاب غيرها من القضايا العربية وحتى الدولية حين تحول بعض النظام العربي إلى أنظمة قرصنة وإستئجار معتقلات وإلى مكتتب في منظمات التدخل السريع ومستأجر للبلاك ووتر وأخواتها ومشتقاتها مما قل عدده وزادت جرائمه وغلا ثمنه ..
وكما زرقاء اليمامة فقد رأيت ما لم يروا أو ما لم يرغبوا في أن يفضحوه بعد أن رأوه .. رأيت يا سيادة الرئيس صفقة العصر فقلت هذه صفعة فاحذروها وبدأت في ردها .. فهل إستبانوا ذلك .. أم أنهم أستكبروا وأخذتهم الصيحة الأميركية العالية بالخوف وعزة القبيلة بالإثم فسكتوا وأمعنوا في الوظيفة المقررة لهم والتأهيل المطلوب.. وقد لا يستبينوا الرشد مبكراً وقد يأتي الغد وإذا بالقدس التي بكوا بدموعٍ مستعارة عليها كثيراً، أسيرة أبدية حيث لم يبقى لديهم إلا نشيد “القدس عروس عروبتنا” دون أن يتعرفوا على العروس أو يدفعوا مهرها، ودون أن يدركوا معنى العروبة التي يدّعون الإنتساب إليها كما إنتسب الذئب إلى ليلى وهو ينام في فراش جدتها …
كان نفسي يا سيادة الرئيس أن تعلن حالة الطوارئ في عواصمنا أو حالة الحداد ولو لأيام من أجل القدس .. أو أن تعطل المدارس أو تنزل الناس للشوارع كما في أعقاب مباريات كرة القدم لفرق مبتدئة أو أن توقد الشموع أو تشعل كما في أعياد رأس السنة التي أصبحت عربية بإمتياز وهي تهبط في عواصم قبائلنا بأكثر مما تفعل في لندن وباريس ..
من هو هذا الوزير يا سيادة الرئيس الذي تجرأ أن يزايد على دم الفلسطينيين وكفاحهم والذي لم يرى هباتهم؟ وكيف يرى وهو دائم السفر مدمن على الأفلام الزرقاء وعلى “جروبات” المراهقين .. ولماذا أردتم تذكيره أو حتى الرد عليه وأنتم تعلمون قوله تعالى: “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً” ألا تتذكر قول الرسول عليه السلام “داروا سفهاءكم” ولماذا يريد الوزير الدم في شوارع القدس .. ويريد المزيد من جثث الشهداء ويستمتع مسترجعاً رجولته ساعة إطلاق النار على شهيد ميدان المنارة في القدس وعلى الطالبة التي تحمل حقيبتها وسط حلقة من الجنود الذين أمتدت بنادقهم إلى صدرها وهي تنثر حقيبتها التي لم يشفع لها أنها خالية، من أن يطلق عليها الرصاص لتموت تحت عدسة الكاميرا .. هم لا يريدون أن يروا الشاب المعوق الذي قتلته إسرائيل لأنه خرج إليها حين عزت الأقدام العربية التي لم تُجيره ولم تسمح له أن يكون في الخلف لتتقدم بدله .. الوزير يريد كل ذلك ليستمتع به كما لو كان يشاهد فيلماً يكون الدم فيه على أجساد الممثلين من الكاتشب دون أن يرغب أن يرى أعلام فلسطين في ميادين بلده محمولة في مسيرة .. لأن ذلك يغضب إسرائيل وقد يهدد أمن عاصمته المطيعة!!
لا تلم يا سيادة الرئيس هذا الوزير العربي المتسائل .. فربما لم يخرج بعد من تأثير السهرة السابقة أو الدعوات الخاصة التي تصاحب مؤتمرات وزراء العرب الطارئة لتخفف من معاناتهم حين تذكر القضية الفلسطينية أو يذكرها أحدٌ أمامهم ..
كان الله عونك وعون من يحتمل الرد على مثل ذلك السؤال وقدرته على أن يكون دبلوماسياً .. غداً أكمل
خطاب السيادة .. بلا نقصان أو زيادة (1)
12
المقالة السابقة