عروبة الإخباري – ستغير موجة الزيادات التي أقرتها الحكومة على السلع والخدمات، ورفع الدعم عن الخبز تركيبة طبقات المجتمع، لا سيما الفقيرة ومحدودة الدخل والفئات الدنيا من الطبقة متوسطة الدخل، وفق خبراء اقتصاديين.
ويرى الخبراء أنّ “مجموعة الزيادات” هذه ستطال معظم فئات المجتمع، لا سيما الوسطى “الأكثر استهلاكا وإنفاقا” والفقيرة؛ حيث ستؤدي هذه القرارات إلى ارتفاع معدلات التضخم، وستخلق حالة من الركود الاقتصادي الذي يعني بالضرورة ارتفاع معدلات البطالة، وبالتالي زيادة الفقر.
ووفقا لمسح دخل ونفقات الأسر للعام 2014/2013 فإنّ حجم الطبقة الوسطى يقدر بحوالي 27.8 % من المجتمع، فيما 29.9 % من المجتمع من طبقة الدخل المحدود، وحوالي 23.2 % نسبة الطبقة الفقيرة والمعرضة للفقر.
ويكشف المسح أنّ 92 % من الإنفاق العام يعود إلى الطبقة الوسطى؛ حيث أنّ 34.3 % من إنفاقها على المواد الغذائية، و31.4 % على خدمات التعليم والصحة والنقل والترفيه والرياضة، و26.5 % على المسكن وملحقاته.
الوزير الأسبق والخبير الاقتصادي، د.عاكف الزعبي، قال إنّ هذه الإجراءات ستساهم في زيادة الأسعار، ما سيؤثر بالتأكيد على المواطنين ويزيد من أعبائهم المعيشية، موضحا أنّ “الزيادة التي حصلت على ضريبة المبيعات للسلع غير الغذائية هي التي ستطال المواطن وستسهم في زيادة معدلات التضخم”، ما يعني أنّ موجة من الزيادات على الأسعار ستحدث.
ولفت الزعبي إلى أنّ الحكومة في موازنتها خصصت 171 مليون دينار لشبكة الأمان الاجتماعي، لكن السؤال الذي لا بد أن يطرح هو هل ستصل هذه الأموال إلى جميع المستحقين من فقراء ومحدودي الدخل والطبقات المتوسطة الدنيا، مؤكدا أنّ “التغطية لن تشمل جميع هذه الفئات”.
وأشار الزعبي أنّ الحكومة قامت بقرارين في وقت واحد الأول رفع الدعم عن أسعار الخبز والذي هو أصلا غير متقبل من قبل المواطنين، والآخر رفع ضريبة المبيعات على مجموعة من السلع، وكان الأجدر بالحكومة أن تقوم باتخاذ خطوة واحدة فقط.
وأضاف أنّه كان على الحكومة أن تقوم قبل هذه القرارات باطلاع المواطن على آثار هذه القرارات وضرورة اتخاذها قبل ذلك بأشهر، وتوضيح انعكاس ذلك على المواطن والاقتصاد.
وأشار إلى أنّ هذه القرارات ستزيد من نسب التضخم (ارتفاع الأسعار) والتي أصلا بدأت ترتفع مع الربع الأخير من العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط، ما يعني ارتفاع التضخم بنسب أكبر.
وأكد الزعبي أنّ الحكومة فرضت هذه القرارات لتزيد من إيراداتها ضمن موازنة العام الحالي، وهي جزء من خطة التحفيز الاقتصادي التي تبدأ العام الحالي وتنتهي العام 2022، والتي طلبت الحكومة تقييمها على أساسها.
وأشار إلى أنّ السؤال الذي لا بدّ أن يطرح هو هل موازنة 2018 تغيرت عن الأعوام الماضية وماذا اتخذت الحكومة من خطوات خلال العام الحالي كجزء من خططها للأربع سنوات المقبلة.
وأشار إلى أنها أعلنت أنها ستزيد من الإنفاق الرأسمالي، وخصصت 426 مليون كإنفاق رأسمالي لخطة تحفيز النمو الاقتصادي وخصصت 171 مليون لشبكة لأمان كما أنها ستزيد الإيرادات من الضرائب والرسوم فيما ستعمل على محاربة التهرب الضريبي.
وبناء عليه، يرى الزعبي أنّ تقييم الحكومة يكون بمدى ما ستنجزه من هذه الخطة.
الخبير الاقتصادي، د.منير حمارنة، قال إنّ الاجراءات ستؤدي إلى موجة غلاء غير مسبوقة ستصيب الفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة.
ويرى الحمارنة أنّ الاقتصاد الوطني سيتأثر أيضا من خلال انخفاض الطلب الكلي والذي سيؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي وعدم تحقيق معدلات النمو المستهدفة والتي أصلا هي منخفضة، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
وألمح حمارنة إلى الآثار الاجتماعية التي ستنعكس على المجتمع جراء التراجع الاقتصادي لمعظم الأسر.
وعودة إلى مسح دخل ونفقات الأسرة (2013 / 2014) والذي يكشف أنّ ثلاثة أرباع الأسر الأردنية (73.2 %) تنفق أكثر من دخلها بمتوسط يبلغ 1.393 ألف دينار سنويا (116 دينارا شهريا).
هذه الأسر، وفق ما تكشف جداول المسح، تتكون من تسع شرائح؛ من أصل 15 شريحة. وتشمل الشرائح التسع الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل والمعرضة للفقر ويبلغ تعدادها 917.453 أسرة من أصل 1.253.352 أسرة.
ويتراوح متوسط إنفاق الأسر المكونة لهذه الشرائح بين 4500 دينار سنويا (375 دينارا شهريا) و13 ألف دينار سنويا ( 1083 دينارا شهريا) بينما يتراوح متوسط دخلها بين 4347 دينارا سنويا و(362 دينارا شهريا) و 11125 دينارا سنويا (927 دينارا شهريا).
ويشار هنا إلى دراسة رسمية صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي صدرت حديثا اشارت إلى أنّ حزمة الضرائب التي فرضتها الحكومة على مجموعة من السلع في شهر شباط (فبراير) 2017 اضطرت أسرا أردنية من ذوي الدخل المحدود لتغيير نمط استهلاكها بشدة إذ استبدلت سلعا بأخرى فيما تخلت أسر فقيرة عن استهلاك بعض السلع تماما.
وأوضحت الدراسة أن أضرار الضرائب لم تقتصر على الأسر، بل شملت القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي باتت تواجه خطر تراجع النمو بفعل الضرائب حيث تخلى 49 % ممن يعيشون تحت خط الفقر عن شراء بعض المواد.
وبينت الدراسة التي حملت عنوان “أثر القرارات الحكومية الضريبية في شباط (فبراير) 2017 على نمط إنفاق الاسر” تغير أنماط الانفاق لدى الأسر ذات الدخل المنخفض والقريبة من خط الفقر وتحته.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الأسر تأثرت بصورة أكبر من غيرها فيما يتعلق باستبدال بعض السلع بأخرى ضمن انماط انفاقهم لمواجهة ارتفاع أسعار بعض السلع.
وافاد ممثلو قطاع تجار التجزئة للسلع الاستهلاكية الرئيسية بانخفاض في المبيعات بنسب تراوحت من 10-12 %.
وكانت الحكومة قامت في شباط (فبراير) الماضي برفع الضريبة العامة على المبيعات والرسوم الجمركية على بعض المواد والسلع وذلك في سياق سعيها لتأمين 450 مليون دولار كجزء من خطة تضييق العجز في الموازنة في اطار التفاهم مع صندوق النقد الدولي.
الخبير في علم اجتماع التنمية، د. حسين محادين، أشار إلى أنّ مثل هذه القرارات من شأنها أن تؤدي الى خلخلة الاستقرار النسبي للأسر من عدة نواح الأولى اقتصادية؛ حيث أنّ المدخولات ستقلل نسبة للشراء وسيكون هناك فجوة بين المطلوب والمتاح ما يعني اللاتوازن في هذه الأسر، وهذا يخلق تهديدا للاستقرار”النفسنمائي” والذي يظهر بحده الأدنى في سوء التغذية والعوز.
واجتماعيا، أشار محادين إلى أنّ هذا النقص في الدخل سيقود إلى ضعف العلاقات الاجتماعية القائمة على التكافل وسيعرض الفئات الضعيفة في الأسرة وهي الإناث إلى مشكلات تتعلق بالزواج المبكر، وهذا سيؤدي إلى خلق خلل في البناء الاجتماعي.
ولا بد من التذكير هنا الى أنّ البنك الدولي كان أكد العام الماضي في تقرير له على أن “ثلث سكان المملكة معرضون أن يقعوا ضمن خط الفقر خلال سنة، إذ يؤثر ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل بشكل كبير على الخمس الأدنى من الأسر المعيشية”.
كما كان قد أشار في تقارير سابقة إلى ظاهرة “الفقراء العابرين” في المملكة حيث أكد بأن 18.6 % من السكان هم “فقراء عابرون” وهم أولئك الذين يختبرون الفقر لفترة 3 أشهر في السنة أو أكثر.
ووفقا للتقرير الذي بنى توقعاته على أرقام رسمية تعود إلى 2010 فإنّ الفقراء الذين يبقون فقراء طوال السنة تبلغ نسبتهم 14.4 %، فيما يبلغ مجموع الفئتين 33 % (ثلث الأردنيين)
اقتصاديون: القرارات الحكومية تهدد الطبقتين الوسطى والفقيرة
19
المقالة السابقة