”لقد ارتبط قرار تأسيس وكالة (الأونروا) الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949 بالقرار 194 الذي أكَّدَ على حق العودة والتعويض واستعادت الممتلكات لكل لاجئي فلسطين، فقد تضمن القرار في ديباجته والفقرة الخامسة والفقرة العشرين الإشارة إلى تطبيق القرار 194، مما يعني بأن حل (الأونروا) مُرتبط بتطبيق حق العودة.”
التهديد الأميركي الأخير بوقف المساهمة بتمويل أعمال ومهام وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والمعروفة بــ(الأونروا) ليس بالجديد على الإطلاق. فقد سبق وأن أطلقت واشنطن تهديدات مُماثلة بحق (الأونروا) خلال العقدين الماضيين، بل وأكثر من ذلك حاولت أكثر من مرة طرح مسألة إنهاء خدمات الوكالة وإحالتها على التقاعد، في سياق التوافق مع المساعي الدؤوبة لدولة الاحتلال “الإسرائيلي” الهادفة لإنهاء عمل الوكالة نظرا لما يُمثله استمرارها من معنى سياسي عميق باعتبارها الشاهد التاريخي والأممي على كارثة تهجير الشعب الفلسطيني من أرض وطنه عام 1948، ولدورها الكبير في التنمية البشرية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وتحديدا لحوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني مُسجّل في قيود الوكالة، عبر توفير الإغاثة الاجتماعية والصحة والتعليم للاجئي فلسطين في الضفة الغربية والقدس والقطاع وفي دول الطوق الثلاثة (سوريا + لبنان + الأردن)، والتي لا يُمكن الاستغناء عنها إلا بعد زوال أسباب قيام الوكالة بعودة لاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم التاريخي وفق قرار الجمعية العام للأمم، الرقم 194، والصادر بتاريخ 11/12/1948.
لقد ارتبط قرار تأسيس وكالة (الأونروا) الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949 بالقرار 194 الذي أكَّدَ على حق العودة والتعويض واستعادت الممتلكات لكل لاجئي فلسطين، فقد تضمن القرار في ديباجته والفقرة الخامسة والفقرة العشرين الإشارة إلى تطبيق القرار 194، مما يعني بأن حل (الأونروا) مُرتبط بتطبيق حق العودة. فوكالة (الأونروا) خط أحمر، وهو ما يفترض فلسطينيا، وعربيا، وأمميا، التحرك الجاد في المجتمع الدولي لمنع المساس بها، إلى حين عودة كل لاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم التاريخي طبقا لقرار قيامها.
اللافت للنظر، أن تهديدات واشنطن الأخيرة، بوقف المساهمة بتمويل وكالة (الأونروا)، جاءت هذه المرة من خلال تغريدة رئاسية أطلقها الرئيس دونالد ترامب، ومن خلال تصريحٍ مباشر للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، التي ربطت بين استمرار المساهمة الأميركية بتمويل الأونروا وبين موافقة الفلسطينيين على العودة لطاولة المفاوضات المتوقفة أصلا منذ عدة سنوات، في عملية مقايضة وابتزاز موصوفة، وهذا ما ينذر بالمزيد من المخاطر التي ستتعرض لها الوكالة الأممية خلال العام الجاري 2018 الذي سيحيي فيه اللاجئون الفلسطينيون ذكرى مرور 70 سنة على نكبتهم في أيار/مايو 2018.
نُشير هنا، أن هناك عدة دول مانحة تقدم لوكالة (الأونروا) أكثر من ثمانين بالمئة من الدخل المالي الذي نحصل عليه. فالولايات المتحدة الأميركية تقدم سنويا للوكالة 364,265,585 دولار أميركي، والاتحاد الأوروبي (بما في ذلك مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية) 143,137,34 دولار أميركي، ألمانيا 76,177,343 دولار أميركي، السويد 61,827,96 دولار أميركي، المملكة المتحدة 60,302,892 دولار أميركي، المملكة العربية السعودية 51,275,000 دولار أميركي، اليابان 43,062,169 دولار أميركي، سويسرا 26,938,805 دولار أميركي، النرويج 26,313,359 دولار أميركي، هولندا 20,877,507 دولار أميركي. إضافة لتبرعات من العديد من دول العالم بما فيها الدول العربية الخليجية، فضلا عن تبرعات عينية تتضمن المواد الغذائية من بلدان مختلفة كتركيا والصين الشعبية والهند … وغيرها.
إن أي تقليص لخدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يُشكّل في واقع الحال، خطرا على حياة نحو ٧٥% من اللاجئين الفلسطينيين، وحربا جديدة عليهم. فهناك على سبيل المثال أكثر من مليون مواطن من لاجئي فلسطين في قطاع غزة يعيشون على المساعدات الإغاثية المُقدمة لهم من وكالة (الأونروا)، كما أن نكبة لاجئي فلسطين سوريا في ظل الأزمة الطاحنة التي عانوا وما زالوا يعانون من تداعياتها تتطلب الآن زخما متزايدا من نشاط (الأونروا) ورفعا لمستوى خدماتها المقدمة لهم.
عمليا، ومنذ مطلع العام 2017، ووتيرة استهداف وكالة (الأونروا) تتسارع بشكل غير مسبوق، في مسار السعي “الإسرائيلي” للتخلص من القضية السياسية للاجئين الفلسطينيين المُتعلقة بحق العودة، الذي تعتبره الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال العقبة الكأداء أمام مشاريع التسوية المطروحة منذ العام 1991. ففي مطلع العام 2017 ومع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى موقع الرئاسة، طلب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال من الإدارة الأميركية قطع المساهمة المالية الأميركية في ميزانية وكالة (الأونروا)، والتي تعتبر الممول الأكبر بين الدول المانحة، وطلب نتنياهو شخصيا من السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي يوم 11/7/2017 بالسعي لتفكيك وكالة (الأونروا) ونقل خدماتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وقد امتدح وزير التربية والتعليم في حكومة الاحتلال، اليميني المتطرف نفتالي بينيت، الإدارة الأميركية بالتهديد بوقف تمويل (الأونروا)، وقال نفتالي بينيت، في تصريح له، يوم الجمعة الواقع في الخامس من كانون الثاني/يناير 2018 الجاري “إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي, بإلغاء المساعدات الأميركية لوكالة (الأونروا) هو الشيء الصحيح الذي يتعين القيام به”.
وعليه، نحن الآن أمام موقف قلق بالنسبة لما يُحاكُ لمصير وكالة (الأونروا)، وهو ما يتطلب انتباها، وتحركا عربيا، وإسلاميا، على كل الصعد والهيئات الدولية، لمنع المساس بوكالة (الأونروا) إلى حين انتفاء أسباب تأسيسها وقيامها، وحث دول العالم للمساهمة بميزانيتها. والسعي من أجل دَفعِ هيئة الأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها تجاه وكالة (الأونروا) والخطر الذي يُهدد ميزانيتها الاعتيادية من خلال تخصيص ميزانية ثابتة لها من الميزانية العامة لهيئة الأمم المتحدة، باعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول المنضوية تحت مظلتها هي التي أنشأت وكالة (الأونروا) بقرار منها، وهي صاحبة الولاية عليها، وهي المسؤولة عن توفير الأموال اللازمة لميزانيتها، وضمان استمرارها بتقديم خدماتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين ودول الطوق (سوريا + لبنان + الأردن).
(الأونروا) خط أحمر/علي بدوان
8