عروبة الإخباري – رأت المزيد من النخب الإسرائيلية واليهودية في التسريبات التي نشرتها أخيراً صحيفة “نيويورك تايمز”، والتي دللت على محاولة نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الترويج لفكرة أن تكون رام الله عاصمة لفلسطين بدل القدس المحتلة، إلى جانب ما كشفته الصحيفة ذاتها، في وقت سابق، من أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد عرض على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، القبول ببلدة أبو ديس كعاصمة، مؤشراً على التحولات التي طرأت على مواقف الرياض والقاهرة من القضية الفلسطينية.
وقال الأكاديمي اليهودي وأستاذ الدراسات الدولية في جامعة “دنفر” الأميركية، البروفسور جوناثان أدلمان، إن هناك ما يدلل على أن كلاً من مصر والسعودية باتتا على استعداد لـ”مكافأة” إسرائيل على دورها في مواجهة إيران، عبر موافقة نظامي الحكم في القاهرة والرياض على التنازل عن القدس كعاصمة لفلسطين، وتحركهما لإقناع الفلسطينيين بالاكتفاء برام الله عاصمة لدولتهم. وفي مقال نشر في صحيفة “جيروزاليم بوست”، أمس الأربعاء، تساءل أدلمان “ما الذي يدفع السعودية والدول العربية المتحالفة معها، والتي ثقفت أجيالها على رفض الاعتراف بإسرائيل، للتحول لتكون حليفاً رئيسياً لها؟ وما الذي يدفع الإسرائيليين للموافقة على لعب هذا الدور؟”. وأعاد للأذهان حقيقة أن هناك سوابق تاريخية تدلل على أن التحولات الدراماتيكية على طابع التحالفات بين الدول في زمن الحرب والسلم أمر ممكن، منوهاً إلى أن ما يحفز التوجه السعودي تحديداً للتحالف مع إسرائيل حقيقة أن الرياض تراقب بقلق شديد اكتساح طهران وحلفائها كلاً من لبنان وسورية والعراق واليمن. وأشار إلى أنه على الرغم من استثمار السعودية أموالاً طائلة في تعزيز قوتها العسكرية، إلا أنها تخشى مواجهة إيران وجهاً لوجه، منوهاً إلى أن ما يفاقم المخاوف السعودية حقيقة أن هناك تقديرا بأن تتمكن طهران من الحصول على قدرات نووية عسكرية في غضون عقد من الزمن بفعل الاتفاق الذي وقعته مع القوى العظمى.
وعدد أدلمان أوجه التفوق العسكري الإسرائيلي في كل المجالات التقليدية وغير التقليدية، مشيراً إلى أن هذا التفوق يغري السعودية بالرهان على دور تل أبيب في مواجهة طهران. وأشار إلى أنه على الرغم من أن إسرائيل تواجه إيران استناداً لاعتباراتها الخاصة، فإن هذه المواجهة تعزز مكانتها لدى السعودية والدول العربية الأخرى. وأضاف إن “الإسرائيليين سيخسرون القليل من أجل تحالفهم مع السعودية ومصر، لكنهم يستفيدون الكثير الكثير”.
من ناحيته، قال الكاتب الإسرائيلي، بن كاسبيت، إن الكشف عن المواقف الحقيقية لكل من السعودية ومصر من قضية القدس يدلل على أن محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي كانا مستعدين للتعاون مع خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لحل الصراع، والتي تضمن احتفاظ إسرائيل بالضفة الغربية والقدس مقابل تدشين دولة فلسطينية في سيناء. وأوضح بن كاسبيت، في مقال نشر في النسخة العبرية من موقع “المونيتور” أمس، أن الانطباع السائد لدى قيادة السلطة أن بن سلمان والسيسي قد خانا الفلسطينيين من خلال توافقهم المسبق مع ترامب على دعم تصوره للحل، الذي أطلق عليه “الصفقة المثالية”. ونوه إلى أن “الصفقة المثالية” التي روج لها ترامب، واعتمدت على تعاون المصريين والسعوديين، نصت على تدشين دولة فلسطينية في قطاع غزة مع ضم مناطق إليها من شمال سيناء، مقابل تخلي الفلسطينيين عن الضفة الغربية. وأشار إلى أن تدشين دولة فلسطينية في غزة يلتقي مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، على اعتبار أنه يخلصها من التحدي الأمني الذي يمثله القطاع.
واعتبر بن كاسبيت أن التهديد الأمني الذي تمثله سيناء يدفع السيسي للموافقة على التخلص من شمال سيناء مقابل المال، مستذكراً أنه سبق للسيسي أن تخلى عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية من دون أن يتعرض لسوء. واستدرك أن إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قد مثل فرصة مهمة لعباس لتسويغ رفضه لصفقة ترامب “المثالية”، منوهاً إلى أن هذا الإعلان قد قضى عملياً على فرص نجاح الصفقة. واستهجن بن كاسبيت إصرار الإدارة الأميركية على أن صفقة ترامب لا زالت معروضة، مشيراً إلى أن أحداً في إسرائيل والسلطة الفلسطينية لا يعتقد أن ما يطرحه ترامب قابل للتحقيق. ونوه إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية توصلت إلى استنتاج مفاده بأن ترامب معني بتجفيف البيئة التي يتحرك فيها الفلسطينيون من خلال تحريض العالم، وتحديداً نظم الحكم العربية، عليهم. وأشار إلى أن وقوف ترامب إلى جانب إسرائيل، وتحديداً في كل ما يتعلق بالقدس، وتهديداته للفلسطينيين أثار حماسة قوى اليمين الإسرائيلي، وهو ما أفضى إلى موجة هائلة من المبادرات لسن القوانين التي تهدف إلى “دفن حل الدولتين”، مثل قانون “القدس الموحدة”. ونوه إلى أن التحول الذي طرأ أخيراً تمثل في تعمد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عدم التحرك لإحباط مشاريع القوانين، كما كان يفعل في الماضي، وأن رئيس الوزراء بات يبادر لدعم هذه المشاريع.