تفاجأ سالم الفلاحات، أحد أبرز مؤسسي حزب الشراكة والإنقاذ، والمراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، بأنّ أول من هنّأه بالموافقة على الحزب الجديد، هو زكي بني ارشيد، رئيس مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين، والقيادي البارز في الحركة، الذي كان يُحسب سابقاً على الخط المتشدد في الجماعة والجبهة.
ليس ذلك فحسب، إذ أفادت مصادر موثوقة في أروقة الجماعة بأنّ مجلس الشورى استنكف عن قبول اقتراح بمناقشة موضوع فصل أعضاء الحزب الجديد “الشراكة والإنقاذ” من الجماعة، أسوةً بما حدث مع أعضاء زمزم، وكان مجلس الشورى قد أصدر قراراً سابقاً بتخيير أعضاء الشراكة والإنقاذ بين العودة عن الحزب الجديد أو الفصل، لكن بعد قبول الحزب أجل مجلس الشورى النظر في الاقتراح المقدّم.
وبالرغم من أنّ هنالك أموراً عديدة مؤجّلة إلى ما بعد الانتخابات التنظيمية القادمة في جبهة العمل الإسلامي (في شهر شباط)، بانتظار ما ستسفر عنه من نتائج للتجاذبات الحالية، فإنّ المراقب يكتشف أنّ هنالك ورشة عمل دؤوبة في أوساط الجماعة والحزب من أجل مراجعة وتقييم الوضع الراهن وبحث الخيارات المستقبلية، ومن ذلك الوضع القانوني للجماعة، بعدما سحبت جمعية الإخوان المسلمين المرخّصة الغطاء القانوني منها، واستولت على ممتلكاتها.
هنالك سيناريوهات عديدة لمستقبل الجماعة وللعلاقة مع جبهة العمل الإسلامي، من بينها فكرة تولي الحزب الشأن العام (مثل العمل السياسي والنقابي وغيرها)، أو العمل السياسي، مع ترك العمل العام للجماعة، وأفكار أخرى، لكن المهم أنّ هنالك قناعة راسخة أصبحت لدى مختلف الأطياف الحالية في جبهة العمل والجماعة الأمّ، وتتمثل بفصل الدعوي عن السياسي، وإعادة هيكلة دور الجماعة ليصبح متخصصاً أكثر في الجانب الدعوي والوعظي والروحي.
بالرغم من خروج أغلب أعضاء الجناح المعتدل (الحمائم سابقاً) من التنافس والاستقطاب التنظيمي في أروقة الجماعة الأم وجبهة العمل الإسلامي، إذ قاموا بتأسيس أحزاب وهياكل جديدة (سابقاً الوسط، ثم زمزم، الجمعية المرخصة، الشراكة والإنقاذ) إلاّ أنّ “الحالة الوسطية” – كما يطلق عليها بعض قادة الجماعة، لم تمت أو تختفي، كما كان متوقعاً، بل نمت وظهرت بوضوح في الانتخابات الماضية في شورى الإخوان المسلمين، ومن المتوقع أن تكون انتخابات الجبهة القادمة بمثابة اختبار حقيقي لهذه الحالة التي أعادت تشكيل نفسها خلال الفترة الماضية.
اليوم هنالك أطروحات جديدة وجريئة في أوساط الجماعة والجبهة، وبالرغم من عدم استواء القرارات النهائية والرسمية تجاهها، فإنّ هنالك خطوات واضحة نحو الخيارات البراغماتية والواقعية، والخروج من صدمة الانقلاب العسكري في مصر 2013، الذي هيمن على الحركة الإسلامية خلال المرحلة الماضية، وقد يكون تشكُّل أحزاب جديدة (أقرب لما أصبح يطلق عليه في الأدبيات ما بعد الإسلام السياسي) ساعد الحركة على التخلص من أزمة داخلية قاسية، أخذت أبعاداً شخصية في كثير من الأحيان.
للتذكير جبهة العمل الإسلامي دخلت الانتخابات الماضية من دون الشعار التقليدي (الإسلام هو الحل)، وعادت للمشاركة السياسية بعد انقطاع لمدة عشرة أعوام، وتخففت من أزمتها الداخلية، بالرغم من استمرار الصراع الداخلي، الذي أخذ صيغاً جديدة وأعاد إنتاج نفسه حتى في أوساط ما كان يعتبر تياراً متشدداً.
ثمّة وعي جديد مهم في أوساط الحركة يتجاوز حالة الإنكار السابقة بضرورة التغيير والتجديد والمراجعة، وهنالك خطوات اتخذت (مثل الاستقلال التنظيمي عن إخوان مصر، تحسين تمثيل الشباب والنساء وإدخالهم إلى المكاتب التنفيذية، إقرار مبدأ فصل الدعوي عن السياسي) وخطوات تنتظر الوقت فقط، لأنّ المسار يذهب نحو ما وصلت إليه الأحزاب الجديدة!
“الإخوان” على مفترق طرق/محمد ابو رمان
14
المقالة السابقة