”…يُفضّل قادة الاتحاد التريث بعض الوقت بالنسبة إلى إطلاق مفاوضات التبادل التجاري وطبيعة الشراكة التي تريد بريطانيا إقامتها مع دول الاتحاد. ويخشى قادة دول الاتحاد في هذا المجال اندلاع معارضة متصاعدة داخل حزب المحافظين ضد رئيسة الوزراء (تيريزا ماي) بشأن التفاصيل المتعلقة بخروج بريطانيا من المجموعة، وغياب التفاصيل في مسائل دقيقة مثل مستقبل الحدود بين شطري أيرلندا.”
تُهيمنُ مسألة خروج بريطانيا نهائيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وإنهاء كامل علاقتها مع الاتحاد بحلول آذار/مارس 2019، على رأس الأولويات المطروحة على جدول أعمال مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وذلك لتخفيف الأضرار الناتجة عن القرار البريطاني من جانب، ولضمان التزام بريطانيا بالمستتبعات المُتعلقة بقرار انسحابها الذي تم اتخاذه بفعل الاستفتاء الشعبي الذي وقع في بريطانيا قبل عامين تقريبا، وكان الفرق بين الراغبين باستمرار بريطانيا في عضوية الاتحاد وبين الرافضين محدودا وضئيلا بين الجمهور البريطاني، فيما تُشير استطلاعات الرأي الأخيرة في بريطانيا إلى أن المزاج العام في بريطانيا بات الآن يميل باتجاه التمسك بعضوية بريطانيا بعضوية الاتحاد، وهذا المزاج العام الحالي لن يُغيّر بالقرار البريطاني المُتخذ قبل عامين تقريبا بناء على الاستفتاء العام الذي جرى في حينها.
على كل حال، شّكَّلَ جدول أعمال قمة بروكسل الأخيرة لدول مجموعة الاتحاد الأوربي، خطوة نوعية كبيرة في مسار عمل المجموعة، حيثُ طُرحت على المُجتمعين القضايا والعناوين الكبرى التي يتوقع لها أن ترسم الخطوات التالية في مسار العمل الأوروبي المشترك بين دول مجموعة الاتحاد، وفي محاولة التوفيق بين مصالح الدول الــ(27) الأعضاء في الاتحاد، علما أن بعضها لا يتفق مع المسار العام لعمل مجموعة الاتحاد، خصوصا دول الكتلة الشرقية السابقة المنضوية في عضوية الاتحاد بعيد تفكك منظومة حلف وارسو (حلف فرصوفيا).
المسألة الأولى التي نالت الحضور الأوسع على جدول الأعمال في قمة بروكسل الأخيرة، تمثّلت بموضوع خروج بريطانيا من الاتحاد، فقد بات مسار الطلاق (بريكزيت) بين مجموعة اليورو (دول الاتحاد الأوروبي) وبريطانيا أمرا محتوما ـــ بغض النظر عن المزاج والمناخ العام الحالي وسط الجمهور في بريطانيا ـ عندما أوصت الدول الـ(27) في قمتها الأخيرة، ببدء المرحلة الثانية من المفاوضات مع بريطانيا بعد حصول تقدم جيد في مفاوضات قضايا المرحلة الأولى التي تركّزت حول حقوق المواطنين والحدود بين شطري أيرلندا والفاتورة التي ستسدّدها بريطانيا لتغطية التزاماتها بمقتضى برامج أوروبية مشتركة لا تزال جارية.
انسحاب بريطانيا النهائي من الاتحاد مُقررا له أن يتم بشكل كامل في التاسع والعشرين من آذار/مارس 2019، وذلك بعد إتمام التفاهمات حول المرحلة الانتقالية والتي ستلي خروج بريطانيا من المجموعة، ويتوقع ألا تتجاوز سنتين، تواصل بريطانيا خلالها الالتزام بقوانين السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي. وفي المقابل، يُفضّل قادة الاتحاد التريث بعض الوقت بالنسبة إلى إطلاق مفاوضات التبادل التجاري وطبيعة الشراكة التي تريد بريطانيا إقامتها مع دول الاتحاد. ويخشى قادة دول الاتحاد في هذا المجال اندلاع معارضة متصاعدة داخل حزب المحافظين ضد رئيسة الوزراء (تيريزا ماي) بشأن التفاصيل المتعلقة بخروج بريطانيا من المجموعة، وغياب التفاصيل في مسائل دقيقة مثل مستقبل الحدود بين شطري أيرلندا، جمهورية أيرلندا التي ستبقى ضمن المجموعة فيما ستكون أيرلندا الشمالية (جزيرة الزمرد) خارج الاتحاد كونها ملحقة أصلا بالتاج البريطاني.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماي)، اندفعت لإقرار وترتيب الانتخابات التشريعية المُبكّرة في بريطانيا، وبشكل مفاجئ قبل عدة أشهر، وهي التي كان حزبها (المحافظين) يحوز على الأغلبية في مجلس العموم في حينها، وكان هدفها في تلك الخطوة الاستباقية الحصول على تفويض أقوى لقيادتها للدخول في المفاوضات الصعبة للخروج من مجموعة الاتحاد الأوروبي، لكن حظوظها تراجعت ولم تستطع أن تحقق فوزا كاسحا لحزب المحافظين، ولم تُلحِق هزيمة مُنكرة لحزب العمال تحت رئاسة (جيرمي كوربين)، وبالتالي لم تحقق هدفها بقيادة البلاد بأريحية تامة، وبمفاوضات هادئة مع مجموعة الاتحاد ودون إزعاجات سياسية من أي طرف كان، وتواجه الآن معارضة متماسكة نسبيا، وغير هشة لا حول ولا قوة لها كما كانت تريد من الانتخابات التشريعية المُبكّرة.
من جانب آخر، إنَّ قمة بروكسل الأخيرة لدول الاتحاد الأوروبي، واجهت عدة مسائل، لم تُحسم نهائيا، بل ما زالت تحتاج لعلاجات مُستعجلة قبل تفاقمها، وكان على رأسها مسألتان اثنتان:
المسألة الأولى: استحكام الخلاف بين غالبية أعضاء مجموعة الاتحاد ومجموعة الدول الشرقية الأربع المنضوية في عضوية الاتحاد، والتي كانت في السابق ضمن منظومة حلف وارسو، وهي: بولندا وتشيخيا وسلوفاكيا وهنغاريا، حول مقاربة قضية الهجرة. فالدول الأربع ترفض وبعناد خطة المفوضية الأوروبية لتخفيف عبء المهاجرين عن إيطاليا واليونان، رغم أنها تحصل على دعم مالي وفير من موازنة مجموعة الاتحاد الأوروبي لأغراض تنمية المناطق الفقيرة فيها، فيما ترفض التضامن مع إيطاليا واليونان حول مسألة الهجرة، وهو ما دفع البعض لطرح فكرة استثمار ما لا يقل عن (500) مليار يورو بحلول 2020 ونحو (630) مليار يورو بحلول 2022 بهدف إعادة إحياء المشروع الأوروبي، وإنشاء فيلق شبابي للتضامن الأوروبي، وإنشاء صندوق بقيمة (44) مليار يورو لوقف الهجرة من إفريقيا بشكل خاص نحو أوروبا.
والمسألة الثانية: التأكيد على الحلول الاقتصادية المُبتكرة بعد تأكيد الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) على الخروج من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية (مثل اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ)، لأنها حسب رأيه لا تراعي مصالح الولايات المتحدة. وتأكيد توقيع الاتحاد الأوروبي واليابان الاتفاق التجاري الثنائي الذي تم إبرامه تحت اسم “اتفاقية التجارة الحرة أو (جِيفْتَا) (Japan-EU free trade agrement)، ويُعتبر الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر زبائن التجارة اليابانية، وحيث كانت تشكو الشركات الأوروبية من صعوبة المشاركة في العطاءات في اليابان، بسبب المعايير والإجراءات المُعقدة.
أخيرا، إن من كل ذلك، أن ما يهمنا كعرب، وكفلسطينيين على وجه الخصوص، من قمة بروكسل الأخيرة لدول الاتحاد الأوروبي، أنَّ المُمثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية (فيديريكا موجيريني) خرجت بتصريحات إعلامية على هامش القمة، أوضحت فيها بشكل قاطع لا لبس فيه، موقف مجموعة الاتحاد برفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، والتأكيد على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبالتالي في عدم نقل سفارات دول الاتحاد إلى القدس المحتلة.