عروبة الإخباري- كتب هيثم حسان- الطفلة عهد التميمي.. أيقونة فلسطينية جديدة، من مخزون شعب لاتنضب نفائسه ولا تنتهي أيقوناته، ويبقى هذا الشعب ولّادا، معطاء، مدرارا، في تقديم التضحيات بلا مقابل، سوى تحرير الإنسان والأرض وتطهيرها من الصهيونية التي جثمت على صدره وأرضه لأكثر من مئة عام، فقتلت وسلبت ونهبت وشردت وزوت وزيفت، في أسوأ احتلال عرفه التاريخ.
عهد التميمي، الطفلة ابنة السبعة عشر ربيعا، التي صفعت الجندي الصهيوني، صفعت الاحتلال، ومن ورائه جلاوزة الحكم في الكيان الغاصب، حتى البيت الأبيض، وساكنه المجنون، بروح فلسطينية وثابة، لاتموت ولاتذوي.
فمنذ طفولتها، تصدّرت عهد أحداث قرية النبي صالح، غربي مدينة رام الله في الضفة الغربية، وكانت من أوائل الأطفال الذين يواجهون سطوة المحتل وجبروته، حيث تصدت، وهي في الثانية عشرة من عمرها، للجنود المدجّجين بالسلاح، وقهرت بشجاعتها فوهة البندقية التي لم تشعرها بالخوف قط.
ظهورها الطفلة الفلسطينية الشقراء الأول كان في مثل هذا الشهر قبل خمس سنوات، عندما صرخت في وجه جنود الاحتلال إثر اعتقال شقيقها الأصغر محمد، وبدت وهي توبخ الجنود المحتلين بسبب اعتقالهم له. صرخت حينها كثيراً في وجه العشرات منهم على مدخل قريتها. وانتشر مقطع الفيديو الذي تم تصويره في ذلك الوقت، كالنار في الهشيم، على مواقع التواصل الاجتماعي، كبطلة فلسطينية لم يقدر على طفولتها جنود الاحتلال إلا باستهدافها بقنابل الغاز المسيل للدموع، لإبعادها، ورغم ذلك لم يتمكنوا.
برزت الطفلة التميمي أيضاً في مقطع فيديو، في آب (أغسطس) عام 2015، حين منعت برفقة والدتها جنود الاحتلال من اعتقال شقيقها، الذي كان يعاني آنذاك من كسر في اليد. وانطلقت على إثر الفيديو ردود أفعال كثيرة لتصرفات جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم بطريقة وحشية، وأخرى تشيد بشجاعة تلك الطفلة التي تمكنت من تخليص شقيقها من الاعتقال.
ترعرعت عهد وسط عائلة ناشطة في مجال مقاومة الاستيطان، وشهدت عدة حالات اعتقال لوالدها باسم التميمي، الذي اعتُقل لأكثر من عشر مرات بمجموع خمس سنوات أمضاها في السجن، منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وفي إحداها أصيب بنزيف في الدماغ على يد جنود الإحتلال، ولأمّ تُدعى ناريمان التميمي تصدت قبلها ومعها عشرات المرات لجنود الاحتلال المقتحمين للنبي صالح واعتقلت نحو ثلاث مرات، واستمر اعتقالها في كل مرة لعدة أيام، وأصيبت في إحدى المواجهات بالرصاص الحي من قبل جندي صهيوني في سيقانها وتم زرع البلاتين لها وبقيت لعام ونصف تقريبا لا تستطيع المشي الا على العكازات، وقد جرى اعتقالها قبل ذلك وبقيت عشرة أيام رهن التحقيق في المعتقل، شقيقها “وعد” وهو طالب جامعي قضى عشرة شهور في السجن وافرج عنه من فترة قريبة، وشقيقها الاصغر” محمد” أصيب بعيار معدني وكسر جنود الاحتلال يده، وله صورة مشهورة تداولتها وسائل التواصل والفضائيات، ويبدو في الصورة محشورا بين صخرتين والجندي الاسرائيلي يضغط على رأسه بين الصخور بينما عهد كانت تحاول هي وامها انتزاع “محمد” من بين الصخور، خالها رشدي التميمي استشهد في مواجهة مع جنود الاحتلال في داخل قرية النبي صالح حيث اصيب برصاص الاحتلال، عمتها ” باسمة التميمي” استشهدت داخل المحكمة الاسرائيلية عام 1992 عندما ضربتها مجندة اسرائيلية بكعب بندقيتها على رأسها حتى استشهدت.
رغم حداثة سنها، نالت عهد جائزة حنظلة للشجاعة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل خمس سنوات، بعد ظهورها في العديد من مقاطع الفيديو التي تتصدى فيها لجنود الاحتلال الذين يهاجمون شبان قريتها لحظة خروجهم في كل جمعة بمسيرة أسبوعية رافضة للاستيطان على أراضيهم.
وفي فجر التاسع عشر من كانون الاول (ديسمبر) الماضي، اعتُقلت الطفلة عهد التميمي، رغم أنها طالبة في الثانوية العامة، وامتحاناتها تقترب من موعدها، بعد اقتحام جنود الاحتلال منزلها، وتم اقتيادها إلى مركز تحقيق في تجمّع مستوطنات “بنيامين”، شرقي مدينة رام الله.
كما اعتقلت قوات الاحتلال، بعد أيام والدة الطفلة الأسيرة عهد، ناريمان التميمي، أثناء محاولتها متابعة قضية ابنتها في مركز شرطة بنيامين شرق رام الله وسط الضفة الغربية.
اكتسبت عهد التميمي الشجاعة من المواجهة في الميدان، ومنعت، أكثر من مرة، جنود الاحتلال من اعتقال شبان في قريتها، ومنعتهم أيضاً، في أكثر من مرة، من استهدافهم بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، حين كانت تتصدى بجسدها وقلبها الطفولي لفوهات البنادق التي كان يصوبها جنود الاحتلال نحو الشبان المحتجين على الاستيطان هناك
آخرها حين بدت في مقطع فيديو لحظة محاولة منعها جنود الاحتلال من اقتحام منزلها ونصب كمين لعدد من الشبان المتظاهرين في المسيرة الأسبوعية ضد الاستيطان والغاضبة ضد قرار ترامب، الذي اعترف بالقدس الفلسطينية عاصمة لدولة الاحتلال.ظهرت التميمي وهي تطرد، بعنفوان الفلسطيني الرافض للاحتلال، الجنود من منزلها. وفي ذات الفيديو، الجنود يتراجعون للخلف مقهورين من شجاعة هذه الطفلة، التي بالفعل تمكنت من منعهم من اقتحام المنزل ونصب المكيدة للشبان والأطفال هناك.
يحق لتلك الفتاة، وأي فلسطيني، طرد جنود الاحتلال ومنعهم من دخول منازلهم، لكن عهد التميمي تعرضت لحملة كبيرة على وسائل الإعلام العبرية، ومواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، واتهمت بضرب الجنود المقتحمين للمنزل وهم يحاولون الاعتداء على عائلتها بمنزلهم في القرية.
في قرية النبي صالح ثمة أكثر من عهد وأطفال كثر، ونساء أكثر، يواصلون مهمة التصدي لجنود الاحتلال الذين يسرقون أرضهم، ويقتحمون منازلهم، ويستهدفونهم بالرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، وما دام الاحتلال يهاجم القرية سيجد الجنود العشرات من الطفولة كتلك التي نشأت عند عهد.
عهد التميمي.. صفعت الجندي، وصفعت أمة عربية تأبى أن تستيقظ، بل إن بعض أعرابها يهزأون بـ”#الكظية” الفلسيطينية، والفلسطينيين، الذين يمكن أن يقبلوا بأي دولة وبأي عاصمة، فالـ”#كظية” لم تعد ذات أهمية..!!
عهد التميمي أرعبت المحتل وما زالت ترعبهم، بل إن “البنت الشكرا جننت الجميع صهاينة وعربا متصهينين”.