يطوي العام 2017 آخر صفحاته معلنا الرحيل، ومفسحا المجال للعام 2018 للدخول، لنختبر مفاجآته وإنجازاته، وأيضا من أجل أن نختبر الكيفية التي سنتعاطى بها مع التحديات المفروضة علينا؛ شعبا وحكومة ووطنا.
العام الحالي يرحل في ظل ظروف صعبة، ازدادت تعقيدا في ظل التطورات الخطيرة المرتبطة بقضية القدس وما يلحقها من ضعف عربي يعجز عن المواجهة، وتلكؤ في التنسيق والعمل المشترك لمواجهة خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
أردنيا؛ لا تتوقف القصة هنا. فنحن، في الأصل وبدون مسألة القدس الأخيرة، لدينا ما يكفي من هموم وتحديات، خصوصا على الجانب الاقتصادي، في ظل تواصل نزاعات المنطقة وعدم الركون إلى حدود هادئة على امتداد جغرافيا الأردن.
منذ سنوات طويلة لم ينعم الأردنيون براحة اقتصادية. الضربات متتالية؛ بدأت مع الأزمة المالية العالمية، تلاها ارتفاع أسعار النفط متزامنا مع انقطاع الغاز المصري على وقع الربيع العربي وما لحقه من آثار اقتصادية خطيرة بسبب إغلاق الحدود، وحصار غير معلن على الاقتصاد الوطني مع شُحّ في المساعدات وانخفاضها.
ورغم كل هذه الأزمات لم تتعلم الحكومات “الوصفة المطلوبة” للتخفيف من حدة انعكاسات ما يحدث حولنا على الاقتصاد، لكي تبني اقتصادا محصّنا وآمنا في ظل النزاعات والتحولات الإقليمية والدولية.
شعور الأزمة الخانقة يعود من جديد، والمخاوف تتصاعد من تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات عن الدول التي دعمت القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وسواء نفّذ ترامب وعيده أم لا، فنحن أمام الاختبار من جديد، ويعيد الكرة بجعل الأردن ومستقبله مرهونا بالخارج. والسؤال الآن وأمس وغدا: هل نتعلم من التجربة ونبدأ بترتيب بيتنا الداخلي؟ هذا هو سؤال المليون، فالداخل وتماسكه هو الأساس في مجابهة التحديات لعبور مرحلة جديدة صعبة.
ما العمل؟
بصراحة القصة ليست سهلة، بل في غاية التعقيد، ومجرد التفكير في تفاصيل الصورة قد يصيب المرء بالإحباط ويشعره بالعجز عن أي فعل. ولعل سؤال “من أين نبدأ؟” هو الأهم أمام كل هذا الخراب الحاصل لدينا.
المشاكل أفقية وعمودية ومتعددة ومتشعبة؛ منها الفساد الإداري والمالي الذي بات ينخر في المؤسسات حد الداء. لكن سوء الحال وتعمق الأزمة لا يعني أن نستسلم، بل يتوجب أن نحدد أولوياتنا القصوى، وأن نبدأ، الأمر الذي يحتاج إلى شروط موضوعية إن لم تتوفر سنبقى ندور في حلقة مفرغة من مشاكلنا التي ستتضاعف مع الزمن.
أول الحلول وأهمها التخلص من المسؤول العاجز غير القادر على اتخاذ القرار وإحداث التغيير المطلوب. هذا الشرط هو الأساس ومنه يبدأ الإصلاح. هذا النوع لن يكون قادرا على التعامل مع أوجه الاختلالات، ولا مكان أن يكون مؤهلا لخلق منظومة جديدة للتعامل مع الحالة وكل تفاصيلها المزعجة.
في وضعنا، نحتاج مسؤولا نزيها ومنتجا وفاعلا ونظيفا، وأيضا أن يكون مقتنعا برسالته ودوره، وهو ما يمثل بداية ضرورية للإصلاح. لدينا اليوم قائمة طويلة من أسماء المسؤولين العاجزين وغير الفاعلين، بعضهم غير مرغوب به أصلا، ولا هو راغب في الاستمرار، إذ تقتصر علاقته بالموقع على المنافع التي تحصّل عليها واللقب الذي أضافه إلى نفسه، بما يعزز مجتمع الألقاب الزائفة لدينا.
لكن وجود النوع الجديد من المسؤولين المطلوبين لهذا الظرف، سيخلق منظومة جديدة للمؤسسات وأدوارها، وسيجعلنا نبدأ رحلتنا الطويلة للاعتماد على الذات، فالأموال التي تضيع من الخزينة نتيجة الفساد الصغير كبيرة جدا، ومعالجة جزء من هذا القصور كفيل بتوفير مبالغ كبيرة تغنينا عن مِنَح تتحكم بمصائرنا وتبقينا محكومين للمجهول.
إدارة 2018 بالأدوات نفسها التي اعتدنا عليها ستبقينا في الحالة نفسها، ومصلحتنا تجبرنا أن نبدأ بالتغيير من أجل ترتيب بيتنا الداخلي وتمتين جبهتنا الداخلية لعبور القادم، وهو الأصعب.