عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب/ ماذا تقول لشعبك العظيم وقد ارتقيت في خطابك إلى مستوى تطلعاته وآماله .. وأنت رائده الذي لا يكذبه، والمحافظ عليه حتى يبلغ حقوقه واستقلاله والمقدم له كشعب متحضر يمسك بالحياة ويضحي في سبيلها ويستنكر الإرهاب الذي كان ضحيته ..
أنت قلت في خطابك أمام القمة لشعبك “لقد طال زمن التحديات والإستهداف والمحن .. قرنٌ مضى بقيت فيه راية شعبنا خفاقة، هاماتنا مرفوعة، سيرة عظيمة خضناها في الكفاح والنضال والإيمان واليقين بالنصر لم تتوقف ..
أنت تحيي هذا الشعب العظيم على دعمه وعلى الحضن الدافئ الذي ظل يستقبلك به حتى لا تشعر القضية بالبرود أو الجمود أو الموت .. نعم صمدت وصمد معك شعبك إيها الرئيس وحين كان الربيع العربي يعصف بدوله ويحولها كالعصف المأكول ويقلب أعلاها أسفلها ويشل إمكانياتها .. كان الربيع الفلسطيني تضحيات وشهداء وجرحى وصمود ومقاومة سلمية وكفاح متصل لم يكن ربيع الفلسطينيين وما زال إلا إشتباكاً مع العدو وليس تدميراً للذات وحتى أولئك الذين خرجوا على الشرعية ضلوا وضلت بهم الطريق وفقدوا البوصلة وادخلوا الآخر للقرار الفلسطيني وقد أدركوا أنهم لن يصلوا .. كان ربيع الفلسطينيين برداً وسلاماً على القيادة، وجحيماً على مغتصبي الأرض والقدس ..
قلت عن شعبك أمام القادة في اسطنبول “لم يستكن فينا طفل ولم يخضع شاب ولم يستسلم شيخ، جيل بعد جيل، نعم نساء ورجالاً نؤمن بحقنا ووعد الله لنا، أن هذه المدينة الفلسطينية المقدسة، ومنذ أن أسسها اليبوسيون الكنعانيون قبل خمسة آلاف عام لم تكن ولن تكون إلا عاصمة دولتنا المستقلة والسيادة فيها لدولة فلسطين” ..
قلتها وأكدت عليها وقلت أنك لا تريد أن تناقش حول ذلك وضعها في التاريخ والذي رغم أنك الباحث والمؤرخ والأكاديمي ورغم أنك المؤمن والعابد .. لم تقل ذلك لإنك لا تريد أن تحرف الصراع الذي أرادوه دينياً ليصطادوا فيه عدواً مفترضاً يستجلبون عطف العالم من خلاله وينكرون حق شعبنا في أرض وطنه .. أردته صراعاً وطنياً قومياً عربياً للعرب والمسلمين والمسيحيين ..
ورغم أن كتبك يا فخامة الرئيس فيها الشواهد على حق شعبنا في وطنه .. وصفتهم “أي الإسرائيليين” أنهم شاطرين في تزوير التاريخ، كيف لا وتاريخهم في فلسطين أكذوبة وأساطير أدانتها بعض كتبهم ومن نطق بالحق من مؤرخيهم المعروفين، أردتها أي القدس مدينة مفتوحة لجميع أتباع الديانات السماوية .. “يصلي كما يريد ويرحل كما نريد” .. وهذا ليس جديداً فقد كان اليهود المتدينون يزورون حائط البراق ويصلون فيه حتى قبل احتلاله عام 1967 يدخلونه يوم السبت ويخرجون منه في حماية عربية دون أن يمسهم أحد .. ولكنهم اليوم وهم يغلقون القدس وأماكنها المقدسة على المصلين من أبنائها ويحتلونها ويحولونها عاصمة لهم بتواطئ أميركي مكشوف عبر عنه الرئيس الأرعن ترامب الذي استنهض مجدداً إرادة الفلسطينيين للدفاع عن القدس وإرادة كل عربي شريف ومسلم مؤمن بالله لا بغيره ممن أفرغوا العبادة من مضمونها ..
وبعد الشعب الفلسطيني خاطبت أبناء الأمة العربية والإسلامية من إسطنبول وقلت “لقد وقفتم على مدى عقود تناصرون فلسطين وقضيتها العادلة وظللتم تحملون القدس في أعماق قلوبكم وستظلون .. قدمتم التضحيات لأجلها ولم تبخلوا عليها بالمال والأنفس، فكنتم نعم الأهل والسند .. نعم يا سيادة الرئيس وما زالت قبور العراقيين في جنين شاهدة ومعارك باب الواد الأردنية بقيادة القائد حابس المجالي شاهدة .. وما زالت حكايات عبد الناصر المرابط في الفالوجة باسم الجيش المصري البطل ماثلة في صدور الفلسطينيين وقلوبهم .. وما زالت التضحيات السورية واللبنانية وحتى المغربية وقد جاءوا مجاهدين رغم الظروف الصعبة .. شاهدة.
لقد خاطبت العرب في قمة اسطنبول وقلت في القدس شعب لم يهن رغم الصعاب والتضييق، شعب يرفع رأسه فخراً بثباته وصموده في وجه الاحتلال، شعب يعتز بتاريخه وبإنتمائه لأمته العظيمة وبما قدمه من إنجازات كبيرة ومن إسهامات للإنسانية ..
ويصل بك الألم والغضب مداه لتسأل من يسمعك مستنكرأ فعل الإنجليز في فلسطين وتقول “والله كنا متعلمين من البداية من زمان، والله ما كنا حمير، كنا مثقفين، واستنكرت وأنت تتكلم بالعامية خارج النص المكتوب .. “مش فاهم كيف بريطانيا بتسوي إنتداب علينا وإحنا في تلك الثقافة وذلك العلم الذي كنا نتمتع فيه”؟ .. لكن هم أصحاب مشروع قديم، يريدون أن يزرعوا في هذه المنطقة جسماً غريباً على أهلها، صديقاً لهم من أجل مصالحهم الإستعمارية”، نعم .. أنت سألت وأجبت بوضوح وعدت لتؤكد “أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحيه يعاهدونكم على البقاء سدنة للأقصى والقيامة وبيت المقدس وأكنافها ..
الرئيس عباس في خطابه أمام القمة أراد التأكيد على الرعاية الأردنية ووصفها بالعظيمة وربطها بمجهود جلالة الملك عبدالله الثاني وهي جهود صبت إلى جانب القدس ومقدساتها وهي مقدسات للأردن، والأردن هو حاميها .. والرئيس عباس يشيد بالموقف الأردني الصلب، وينسق مع الأردن في هذا المجال ..
ثم عاد الرئيس أبو مازن ليؤكد على دور لجنة القدس ورئيسها الملك محمد السادس ووكالة بيت المال التابعة لها وهي اللجنة التي تحتاج إلى مزيد من التفعيل والإنعقاد الدوري ومزيد من الخطط
الجانب الآخر الهام فيمن يستحقون أن يشكروا وأن ينادى عليهم للوقوف مع القدس ومقدساتها هو قداسة البابا فرانسيس وهو على علاقة طيبة وصداقة عميقة مع الرئيس محمود عباس ودائماً يحتفي بلقائه وبدل أن يقول الرئيس عباس للبابا ادعولنا، فإن البابا وهو يمسك بيد الرئيس يطلب منه أن يدعو له وهو موقف يعكس عمق الروحانية والأخوّة التي تمثلها فلسطين وأرض فلسطين والقدس ومقدساتها ولعل المواقف التي أعلنها قداسة البابا وما زال يعلنها تلعب أهمية كبرى وسط اتباعه الذين يزيدون عن المليار نسمة .. ولذا فإن الموقف .. موقف البابا والكنيسة الكاثولوكية موقف في غاية الأهمية خاصة وأننا على أبواب أعياد الميلاد المسيحية في بيت لحم وسيكون لقاء الرئيس عباس مع البابا غاية في الأهمية وهذا اللقاء رغبة جلالة الملك عبدالله الثاني وجسّده شخصياً بزيارة البابا وشجع الرئيس عباس على وضع البابا في الصورة والتفاصيل وكسب تأييده للموقف الفلسطيني وأيضاً وقوف الكنيسة والبابا في وجه التوجه الأميركي الإسرائيلي بخصوص القدس، كما أن الرئيس عباس في خطابه توقف أمام الموقف المشرّف للأزهر وشيخه العلاّمة أحمد الطيب وشكره لوضوح هذا الموقف وقيمته .. وقد تواصل الشكر لتركيا لدورها وإستضافتها للمؤتمر وموقفها من فلسطين وقضيتها ومن القدس ودعوتها أن تكون السفارات في القدس لدى دولة فلسطين العتيدة لتعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وليست في غرب القدس أو لدى الدولة الإسرائيلية والموقف التركي الذي مثله أردوغان وهو يترأس القمة كان واضحاً وشجاعاً ووضع أكثر من إحتمال وسيناريو لتطور الأحداث ..
القدس كما قال الراحل الحسين “منها يبدأ السلام وفيها ينتهي” وهي كما قال الرئيس محمود عباس “لن يكون هناك سلام .. ولن يكون في الأقليم سلام .. ولن يكون في العالم سلام .. إذا لم تقم دولة فلسطين وعاصمتها القدس وعلى حدود عام 1967 وعلى العالم أن يختار” ..
خطاب الرئيس محمود عباس وثيقة تاريخية هامة في وقت صعب احببنا أن نفصّل فيه في قراءة مستقلة قدمناها على حلقات ست ..
إعادة التوازن في خطاب أبو مازن (6)
12