عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب/ يرى أبو مازن ضرورة أن تتغير وسائل وأدوات العمل في المرحلة القادمة، ولذا فإن الرئيس طالب باتخاذ قرار بنقل ملف الصراع برمته للأمم المتحدة وتشكيل آلية جديدة تتبنى مساراً جديداً لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ويقول “لم تعد الولايات المتحدة أهلاً للتوسط في عملية السلام، أمريكا لا نريدها، لم نعد نقبلها بعد هذه القرارات .. لن نقبلها لأن أحسن شيء أن نفاوض نتنياهو ليس أن نفاوضهم” ومضى يخرج عن النص ويتكلم باللهجة العامية ويقول “ما دام هم بعملو هيك .. لا نريد آلية دولية” ..
هذه ليست أول مرة تكون الإدارة الأميركية ملكية أكثر من الملك وتكون على يمين إسرائيل وأكثر إندفاعاً منها، فقد كان لها مواقف مشابهة، أذكر منها أنني حين كنت أزور الرئيس الراحل ياسر عرفات في مكتبه في غزة وقد دخل عليه مدير مكتبه ليقول له “دينس روسس” سيكون بعد قليل على حاجز “أرتز” “المنطار” ويأتي لمقابلتك .. كان لحظتها يدخل عليه ياسر عبد ربه وشخصية أخرى نسيت من هي وإذا به ينتفض ويقول “مش عاوز .. مش عاوز أشوفه .. أنا عاوز أقابل بيرس .. أيوه بيرس أفضل منه .. دا صهيوني ومتطرف .. والإسرائيلي أفضل منه” استغربت هذا الكلام، وانتظرت أن ينتهي إنفعاله الشديد وسألت: لماذا لا تريد مقابلته؟ فقال “دا ابن ***** بيجي بيحكي معنا كلام حتى الإسرائيليين ما بقولوه .. إسمع أقلك، دول مش عاوزين سلام أبداً، تأكد أننا لو وضعنا شمعون بيرس نفسه (كان رئيساً للوزراء) رئيساً للجنة التنفيذية عندنا مش حيعطوه حاجة” .. يومها أستغربت ذلك، وأدركت أن كل ما كان يدور ويعاني منه عرفات من بعد كان شراء وقت، فقد قلبت إسرائيل الطاولة وهذا ما يدركه أبو مازن الآن ولكنه يذهب باتجاه ان يسلح بالإرادة الدولية وتأييد العالم لقضيته وهذا سر إمساكه بشعار السلام، وهو يدرك أنهم أي حكومة اليمين المتطرفة لا تريد سلاماً.
أما في النقطة الثامنة من عرضه، فإن أبو مازن يحذر من الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل أو إنشاء أية بعثة دبلوماسية فيها أو نقلها إلى المدينة باعتبار ذلك خرقاً للقانون الدولي واعتداء صريح على الأمتين العربية والإسلامية وعلى حقوق المسيحيين والمسلمين والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ..
وفي النقطة التاسعة .. يؤكد الرئيس أنه لم يعد من الممكن السكوت أمام مواصلة إسرائيل إنتهاك هوية وطابع مدينة القدس واستمرار الحفريات والإستيطان .. ومع هذه الحال يطالب الرئيس عباس بضمانات حاسمة لوقف الإنتهاكات الإسرائيلية من المؤسسات الدولية.
أما في النقطة العاشرة .. فيدعو الرئيس الدول التي تؤمن بحل الدولتين أن تأخذ خطوات للإعتراف بالدولة الفلسطينية وبضرب الرئيس أبو مازن مثلاً من بعض الدول التي تقول أنها تعترف بدولتين .. والحقيقة أنها تعترف بدولة وهذه الدولة ليس لها حدود وهي مخالفة لكل القوانين الدولية .. وقد كان الرئيس عباس من قبل قد سأل أحد ضيوفه من الإسرائيليين الذين زاروه في مكتبه في رام الله و دعاه للإعتراف بالدولة اليهودية يقصد إسرائيل، فسأله أين هي حدود هذه الدولة لأعترف بها؟ وعندها ستعرف أين حدود دولتنا إذا ما عرفت إسرائيل نفسها .. فبهت السائل وصمت وكأنه يكتشف المجهول .. ويمضي أبو مازن في خطابه في هذه النقطة ليقول “يجب أن نطالب هذه الدول بالذات الدول الأوروبية ومواقفها هذه الأيام جيدة ومقبولة ويمكن أن يستمعوا إلينا لكي يعترفوا بدولة فلسطين لإن هذا مهم .. بدأنا ب 138 دولة معترفين بنا .. إحنا معترفين فينا أكثر من دولة إسرائيل” ..
وفي النقطة أو المطلب الحادي عشر .. جاء فيه ضرورة أن تدعم الدول مساعي دولة فلسطين للإنضمام لجميع المنظمات والمعاهدات الدولية باعتبارها حقاً طبيعياً لها، عندما أصبحنا عضواً مراقباً في الأمم المتحدة سمح لنا القانون الدولي أن نكون أعضاء في (522) منظمة، وبدأنا فعلاً واحتج الأميركان على 22 منظمة وعندها اتفق الرئيس عباس معهم على مقايضة تأجيل الإنضمام بعدم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واستجاب الرئيس ونسي ترامب الإتفاق وأخذ خطوته الإجرامية.
ما زالت المنظمات الأخرى أل (22) والتي ستنضم إليها فلسطين طالما أخذت العلاقات مع الإدارة الأميركية هذه المنحى .. ويرى الكثير من المراقبين أن الرئيس عباس حقق في هذا الميدان نتائج هامة، ظهرت نتائجها في تبدلات الموقف الدولي المؤيد أكثره للحقوق الفلسطينية والذي شجب الخطوة الإميركية الهجينة، ولعل الإنضمام الفلسطيني إلى الإنتربول له دلالة إيجابية وإضحة جعل أبو مازن يعلق في كلمته هذه “لن يفلت من إيدينا خارج عن القانون أياً كانت صفته” ..
أما في النقطة الثالثة عشر .. فإن الرئيس يقول “إننا في حل من الإتفاقيات الموقعة مع إسرائيل إن استمرت في إنتهاكاتها وخاصة في القدس” .. وقد حذر أمام القمة من أن “لا يمكننا أن نبقى سلطة بدون سلطة وتحت إحتلال بلا كلفة” ومثل هذا الكلام قاله الرئيس عباس من على منبر الأمم المتحدة في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة ليضع العالم أمام مسؤولياته .. وهذا الأمر في اعتقاد الرئيس حان وقت تقييمه في القيادة الفلسطينية ومع الاشقاء ودول العالم لتكون الدولة الفلسطينية منوط بها المهام بدل هذه السلطة حتى لا يتكرر تعبير أبو مازن حول تقييم السلطة وحال الإحتلال ..
وأخيراً قالها الرئيس واضحة “نحن نقول للإسرائيليين إننا غير ملتزمين بأي إتفاق بيننا وبينهم ومن ضمن ذلك إتفاق أوسلو وعليها أي إسرائيل أن تتحمل كافة المسؤوليات في الصحة والتعليم والمياه فهي دولة إحتلال” كان ذلك خارج النص المكتوب وقد أكمل الرئيس الجمل الشفوية بقوله “فهم لا يأتون إلا بهذه الطريقة” أي أن الرئيس أورد الأبل حيث الطريقة التي يجب أن تورد فيها، وهذه الطريقة أنه ما داموا قد تخلوا عن الإتفاقيات ومضامينها واجهضوا تلك الاتفاقيات وأفرغوها من معناها فإنه على غير إستعداد ليبقى يقدم خدمات من المفترض أن يقوم بها الاحتلال لشعب ما زال تحت الاحتلال .. فكيف للشعب الفلسطيني أن يدفع لإسرائيل ثمن احتلالها وان يحافظ عليها وهي محتلة .. تلك مفارقة غير منطقية كان الرئيس عباس يدركها ولكن رهانه كان على تحولات المجتمع الدولي الذي بدأ يرحب بفكرة الدولة الفلسطينية التي ما زالت لم تتحقق.
أما في النقطة الرابعة عشرة والاخيرة من اقتراحاته فإن أبو مازن يدعو إلى تعزيز صمود المقدسيين وطلب الدعم لهم بكل الوسائل المادية والمعنوية وقد أشار بيده إشارة في معنى المطالبة بالدفع المادي قائلاً ( لقد آن الآوان للوقوف إلى جانب أهلنا في القدس ومؤازرتهم وعدم تركهم في مواجهة الأحتلال وحدهم) ..
وفي هذا السياق دعى الرئيس إلى إنشاء وقفية إسلامية دولية لدعم فلسطين والمقدسات بقيمة مليار دولار ..
دعوة الرئيس الحادة جاءت لتذكر بالشعار الذي كانت ترفعه الصهيونية بداية إقامة دولة إسرائيل وهو الشعار الذي يقول “إدفع دولاراً نقتل عربياً” ليستبدل على المستوى الفلسطيني مطالباً العالم العربي والإسلامي الذي تمثله في قمة إسطنبول (57) دولة حضر منها (47) وهو “ادفع دولاراً تدفع صمود فلسطيني في القدس” .. ومثل هذه الدعوة من الرئيس عباس كانت تكررت وقد انشئ صندوق القدس .. وصندوق للاقصى .. وللإنتفاضة الأولى وهناك لجنة فلسطين العليا التي يرأسها المغرب وهناك وقفيات و و … ولكن أكثرها للأسف إما جمد أو لا يعمل أو مصر يعترض نهوضه ذرائع كثيرة ..
القدس بحاجة إلى أموال عربية وإسلامية للحفاظ على هويتها هي بحاجة إلى من يسرج قناديلها بالزيت، والزيت هنا أو الوقود هو الدفع المادي كما يقول أبو مازن الدفع لمستشفياتها ومدارسها وبيوت أهاليها المهدمة والمصادرة والتخفيف عليهم في مواجهة البطالة والفقر والضرائب التي تستهدف بيع عقاراتهم ووضع اليد الإسرائيلية عليها ..
حين يرى الإنسان كيف تخصص الأموال العربية و لأي الأغراض، يشعر بالإحباط والقدس بحاجة إلى الدولار دعماً لصمود أهلها وتمكينهم من البقاء فيها ولكن ما الطريقة؟ سوى الوعي على مخاطر ما يتهدد والقدس من تدمير واقتلاع لسكانها .. حتى يدرك العربي والمسلم والمسيحي وأحرار العالم أن استمرار احتلال القدس وعدم حل القضية الفلسطينية سيظل يحمل المزيد من عدم الاستقرار ويذكر بقول الملك عبدالله الثاني حين وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول عام 2001 “لو أن القضية الفلسطينية وجدت لها حلاً ما كان يمكن أن يحدث الذي حدث” وهذا يسحب أيضاً على عدم الاستقرا في ساحات عربية عدة عصف بها العنف والارهاب بسبب التطرف الذي نشأ عن غياب العدالة والذي اججته إسرائيل والولايات المتحدة لتبعد أمتنا عن أهدافها الحقيقة في التحرير والتنمية وتزج بها في أتون صراعات داخلية لا تبقي ولا تذر وبدل أن يقع التناقص مع المحتلين تغيرت البوصلة لتأكل بلداننا بعضها من الداخل وكما قال الشاعر “والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله” .. ويبدو أن الذين هربوا من استحقاقات القضية الفلسطينية في الاسناد السياسي والمادي إنما وقعوا في أزمات أكبر وأخطر وأصبح حالهم حال المستجير من الرمضاء بالنار، فلم يدركوا أهداف النجاة ولا أهداف الفوز وصار حالهم كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى (ثروة) ولا مسافة قطع (نجاة وتقدم) ..
ويختم الرئيس عباس كلمته الشاملة برؤية مختصرة نخصص عنها الحلقة السادسة والأخيرة ..
إعادة التوازن في خطاب أبو مازن (5)
11
المقالة السابقة