عروبة الإخباري –كتب يوسف ابوالشيح الزعبي
لماذا نصدق ما يطرحه أعداؤنا بهدف تفريقنا وإضعافنا ؟! لماذا نأخذ بتقاريرهم المفبركة ونصر على الأخذ بسمومهم وما يطرحونه بأننا أمة عربية ميتة؟! من قال أن حِراكنا الرسمي والشعبي (العربي والإسلامي والمسيحي) على مدار الأيام الماضية لم يحقق نتائجه الإيجابية والفعّالة بخصوص القضية الفلسطينية والقدس تحديداً؟!
لديّ القناعة التامة بأن هناك أعداء في الداخل والخارج يحاولون ان يزرعون الفتن والخلافات وتشويه صورنا ومواقفنا جميعاً لتحريك إتجاه البوصلة عن قرار الرئيس الأمريكي ترامب الجائر بشأن القدس وتوجيه سهامنا الداخلية على بعضنا البعض، والهدف هو تمرير القرارات الخطيرة للنيل من حقوقنا ومصالحنا وتقسيمنا ليس في فلسطين والقدس فحسب، بل بكافة ساحات الحرب في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان وغيرها.
لاحظنا خلال الفترة الماضية أن هناك أصوات مشبوهة ووسائل إعلام محسوبة على إيران وإجنداتها بالمنطقة، وأخرى صدّقت ما طرحه الخبث الإسرائيلي في وسائل الإعلام العالمية والإقليمية بشأن موافقة دول عربية قيادية – هي أملنا حالياً في قيادة المنطقة العربية الى بر الأمان- على قرار ترامب الجائر وما يشاع حول “صفقة القرن”، حتى أن بعض وسائل الإعلام المحسوبة على هذه الأجندات، أشاعت تقريراً يشير بأن هناك ضغوطاً مورست على القيادتين الأردنية والفلسطينية حتى لا تتحرك دبلوماسياً ضد قرار ترامب! فهل يعقل أن نصدق هذا الهراء؟! فالحكمة تقتضي أن نعرف تماماً أن الدوائر الصهوينية واليمينية الأمريكية والإيرانية وبعض الدويلات والجماعات التي تدور في فلكها بالمنطقة كانت تعمل منذ إندلاع ما يسمى” الربيع العربي” على بث الأخبار والتقارير المفبركة لتفريقنا وإشغالنا ببعضنا، وسعت هذه الدوائر مؤخراً الى تشويه الدور المصري والسعودي تحديداً في الدفاع عن القدس، علماً بأن الأشقاء السعوديين والمصريين مواقفهما واضحة، بل أكدوا منذ البداية بنزاهة مطلقة وبكافة الوسائل الدبلوماسية والشعبية رفضهم لقرار ترامب، وقالت السعودية رسمياً وقبل أن يُعلن ترامب قراره المشؤوم بأن هذا القرار يخالف بشكل صريح القرارات الدولية، مؤكدةً في الوقت ذاته على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والراسخة في القدس المحتلة والأراضي الفلسطينية الأخرى، التي لا يمكن المساس بها أو محاولة فرض أمر واقع عليها، وتحدثت أن هذا القرار يمثل إنحيازاً غير مبرر وسيؤدي الى تداعيات بالغة الخطورة وإستفزاز لمشاعر المسلمين وإلى مزيداً من التعقيدات على عملية السلام، في ظل محورية القدس وأهميتها القصوى، وحتى بعد صدور القرار فقد رفضته السعودية بشكل قاطع وكان هذا مترسخاً في كلمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير الخارجية عادل الجبير ومندوب السعودية الى مؤتمر التعاون الإسلامي في إسنطبول، فقد تم التأكيد على موقف المملكة على حل الدولتين بما يتضمن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية عام 2002 والتي تبنتها السعودية وقتئذ . وقد إستمرت الجهود السعودية الى جانب جهود الأشقاء المخلصين في العالمين العربي والإسلامي وبرزت من خلال الحراك الدبلوماسي والسياسي الذي ما زال يقوده الملك عبدالله الثاني في عواصم القرار العالمي ولقائاته كافة، وتجلت الجهود العربية في قيادة مصر مساء اليوم وتبنيها بجرأة لمشروع قرار بمجلس الامن الدولي برفض قرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن إعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والذي صوتت عليه 14 دولة بإستثناء الولايات المتحدة التي إستخدمت الفيتو لنقضه.
الجهود العربية الرسمية متواصلة بفاعلية ونراها بأنها لم تكل أو تمل وهي تدافع عن قضايانا العادلة، وقد أثمرت هذه الجهود خلال إجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير بالقاهرة عن تشكيل وفد وزاري عربي للتصدي لقرار ترامب بشأن القدس، ممثل عن السعودية ومصر والأردن والإمارات وفلسطين والمغرب وأمين عام الجامعة العربية والذي سيتجتمع الأسبوع القادم بالأردن .
أمانة القول تدعونا لترك سياسة جلد الذات واللطم والوهن، فالواضح حتى الآن أولاً أن هناك حملة منظمة مسعورة على قيادة الدول العربية (مصر والسعودية) وثانياً ورداً على هذه الحملة أن التصدي لقرار ترامب المشؤوم أظهر بأن الأمة العربية على المستويين الرسمي والشعبي أمة حية وتسري في عروقها الدماء الزكية، وهناك قيادة عربية موحدة وحاضرة بقوة إستطاعت أن تحقق نصراً دبلوماسياً وتجمع دول العالم كافة على رفض القرار الظالم التي أصدرته الولايات المتحدة لإعتبارات فرض العضلات والقوة وسياسة الداخل ضمن الإنحياز للصهيونية، وظهر قرار الرئيس ترامب معزولاً ومرفوضاً رغم أنه صدر عن رئيس الدولة الأولى بالعالم، وبفضل هذه الجهود ترسخة الصورة ما بين الشرعية والحق في مواجهة الباطل، ونتائج التصويت في مجلس الأمن تثبت ذلك، وهذا بحد ذاته إنتصاراً تاريخياً وإعترافاً عالمياً بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
ولا يفوتنا في النهاية إلى أن نصفع المتربصين والأعداء ممن إمتهنوا دق الأسافين وراهنوا على العلاقة الأردنية مع السعودية والخليج العربي، فهي – ولله الحمد- بألف بخير، فهي أعمق مما يظنون والأيام القادمة مليئة بالخير بشأنها، لأننا ببساطة نتحدث عن جسد واحد تسري فيه روح واحدة لا ولن تؤثر به زوبعة فنجان وأية مآرب ورياح عاتية، وما أظهرته قيادتي البلدين من تعاون وإتصال وتنسيق دائم منذ التأسيس للدفاع عن القضايا العربية والعالمية العادلة في مواجهة أعداء الأمة في الساحات كافة، وتصريحات الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارة الملك عبدالله الثاني الأخيرة بأن السعودية تعتبر أمن الأردن من أمنها وما يهم الأردن يهم السعودية، خير دليل على ذلك.
حفظ الله الأمة العربية والدول الإسلامية والأصوات الدولية العادلة الحقة، في ظل مواقف وجهود حكماء وقيادات الأمة العربية…ونحن – إنشاء الله – على ثقة بأن حقوقنا وأوطاننا ستعود شامخة إلى أبنائها الأصيلين ويخرج الدخلاء والغرباء والمحتلين منها.