العشرات من رجال الأعمال الأردنيين الذين استثمروا لسنوات طويلة في السعودية سيعدون للألف قبل أن يقدموا على التوجه للرياض. وستحضر في أذهانهم على الفور الحادثة المؤسفة التي تعرض لها منذ أيام أعتق وأكبر المستثمرين صبيح المصري.
كل ما يحظى به المصري من احترام ونفوذ لم يمنع من خضوعه للمساءلة في إطار حملة السعودية لاستعادة ما تقول إنها أموال للدولة.
وبين المطلعين في عمان هناك أنباء عن قائمة تضم عشرين اسما من رجال أعمال أردنيين مطلوبين للتحقيق في السعودية.
ليس ثمة مصدر سعودي يؤكد مثل هذه المعلومات، لكن مجرد تداولها يكفي لدفع المشمولين في القائمة وسواهم إلى عدم التفكير بالسفر للرياض، حتى لو تلقوا تطمينات مثلما حصل مع المصري قبل سفره!
في غياب منظومة قانونية شفافة وإجراءات قضائية ذات صدقية، فمن حق أي مستثمر أن يتلمس رأسه في مثل هذه الظروف الاستثنائية. وهذا الوضع ليس جديدا، خاصة لأصحاب الخبرة من رجال الأعمال الذين عملوا هناك من قبل، ويعلمون عن كثب كيف تبنى الثروات وتوزع المناقصات. ففي أكثر من بلد حول العالم لا يتمتع بمؤسسات قضائية مستقلة، فقد رجال أعمال ثرواتهم، ومن بينهم أردنيون.
إن نفس الطريق التي سلكها المرء لتكوين الثروة يمكن أن تؤدي يوما ما إلى ضياعها.
يمكننا أن نتفهم مشروعية المخاوف المترتبة على إجراءات غير منصفة بحق رجال أعمال أردنيين، لكن ينبغي أن لا نحملها أي أبعاد سياسية، فالحملة في السعودية على سبيل المثال بدأت بأمراء كانوا حتى الأمس القريب على بعد خطوة من كرسي الحكم.
وفي دول عالمنا العربي تحديدا كثيرا ما تتغير قواعد اللعبة، ويدفع لاعبون كثر الثمن دون أن يكون لهم ذنب أو دور في رسم القواعد القديمة أو تغييرها.
لسنوات قليلة مضت كانت شركة بن لادن امبراطورية كبرى في السعودية، لكن في غضون أشهر قليلة كان عشرات الآلاف من موظفيها بلا رواتب وعلى قوائم الترحيل. وكان مصير شركات الحريري شبيها بذلك أيضا.
في عشرات الدول هنا وهناك يخضع الاقتصاد لقواعد السياسة لا المنافسة والقضاء. حاكم يحل على سلطة القيادة فيقلب الموازين. انظروا إلى حال روسيا مثلا، فقبل أكثر من عقدين من الزمن كانت درر الاقتصاد الروسي من شركات ومؤسسات عملاقة تباع بتراب المصاري كما يقال في اللغة الشعبية الدارجة. ثم وفي لحظة فارقة تغير كل شيء؛ وصل بوتين إلى سدة القيادة حاملا معه مقاربة جديدة أعادت لروسيا وزنها ونفوذها، ومعها تحولات داخلية كبرى، وطبقة بديلة من رجال الأعمال، وحسابات ومصالح خسر فيها الكثيرون وكسب الكثيرون أيضا.
لن يكون من الإنصاف محاكمة التاريخ بأثر رجعي، وإن كان هناك من حقق ثروة في مرحلة تاريخية في السعودية أو غيرها من البلدان المشابهة، وتدور حولها الشبهات، فذلك ليس شأنه. إنها قواعد اللعبة التي رسمها أصحاب القرار في ذلك الوقت، وعلى عاتقهم تقع المسؤولية.