لأننا نعرف كيف يفكرون، ولأن الخسائر التي مني بها العرب على مدى الـ 100 عام الماضية كبيرة، فيلزم أن لا يمرّ قرار مما يتخذون دون التفكر والتوقف الطويل، لإدراك ما يخططون له.
بالعودة قرنا إلى الوراء، حينما منح بلفور وعده الكريه لليهود بإقامة وطن لهم على أرض فلسطين، كان البدء، رغم أن الوعد نفسه اعترف بأن الأرض هي فلسطين وانها وطن للفلسطينيين، ورغم ذلك تم التنفيذ، وبدأت معاناة لا تنتهي، والعالم كله شاهد على الظلم الواقع من وعد ظالم.
بعد ذلك تتالت الأحداث وتلاحقت الخسائر، فكانت المقاومة على مدى عقود لخطط تهجير أهل الأرض الأصليين، لكننا فشلنا في وقف المخطط، وتم تهجير الناس، لنعبر محطات قاسية أرّخنا بعضها كدلالة على خسائرنا، فكانت النكبة العام 1948، والنكسة في 1967، وهي التي خسرنا فيها الضفة والقدس المحتلتين من قبل المهاجرين اليهود.
الآن، التوقيت لا يقل وطأة، والعام 2017 تماما في خطورة الحقبات السابقة، فهو تاريخ لمرحلة جديدة من الاحتلال وتوسعه، وباب لخسائر جديدة من الصراع لصالح أصحاب الوعد البلفوري، فهذا العام سيسجل نفسه كبداية جديدة لنكبة جديدة، لها ما بعدها من الاستحقاقات.
إسرائيل، الكيان الذي فرض وجوده بالسلاح والقتل والمذابح وقبل كل ذلك بالتخطيط العميق والسعي لتحقيق ما يريد بطول النفس، نشأ وهو يحقق المكتسبات، فيما نحن العرب نعدد الخسائر والهزائم، ذلك أن لديهم مشروعا وحلما بوطن ليس لهم، لكنهم سعوا لامتلاكه.
ردود فعل المجتمع الدولي على قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، جاءت رافضة وشاجبة ومنددة ومحذرة من التبعات، وهي بالمناسبة، لا تختلف عن ردود أفعال العالم في كل حقبات الصراع، والدليل أن كل قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد حق الفلسطينيين في وطنهم وفي دولتهم، ظلت حبرا على ورق، فيما إسرائيل تفعل ما تريد، وتقضم الأرض تدريجيا، وتخطط لما ستفعله في السنوات المقبلة، ضاربة عرض الحائط بجميع تلك القرارات، وساخرة من الشرعية الدولية، بينما التغييرات المطلوبة على الأرض تجري بسرعة كبيرة لتنفيذ حلمها بدولة يهودية، يبدو أنها أصبحت على وشك التشكل.
نحتاج هنا إلى قراءة معنى القرار مستقبلا وتبعاته على المنطقة عموما والأردن خصوصا، وكيف سيكون أداة إسرائيل الجديدة في إحداث تغييرات ديمغرافية تتعلق هذه المرة بسكان القدس المحتلة، وعددهم نحو 300 ألف مقدسي يحملون هوية القدس وجوازات السفر الأردنية.
بالنظر إلى ما فعل المحتل خلال العقود الماضية سنكتشف العدد الكبير من المقدسيين الذين فقدوا هوياتهم وحقهم في الإقامة بالمدينة المقدسة بقرار إسرائيلي، وعلى ما يبدو أن هذا ما سيحصل في المستقبل لهؤلاء السكان الذين ظلوا متمسكين بأرضهم وبيوتهم أمام أشرس هجمة تهويد تابعها العالم كله على مدار نصف قرن، ليتسنى للكيان، بعدها، طردهم وتهويد القدس بالكامل، وجعلها عاصمة له بكل تفاصيلها.
أبعد من ذلك؛ فإنّ مضيّ إسرائيل بتحقيق أحلامها ومخططاتها بقيام دولة اليهود يعني حكما تهجير السكان وإفراغ الأرض من أهلها الاصليين، وهو الأمر الذي سيمثّل كارثة حقيقية على الأردن، سيضطر إلى مقاومته وحيدا، من دون أن يكون هناك أمل في نجاحه بهذا المسعى، خصوصا مع تغير أولويات دول المنطقة.
ربما تفاجأ العالم بقوة رد الفعل الأردني على القرارات الخاصة بالقدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، وأغلب الظن أن رد الفعل كان أكبر من تقدير الأميركان أنفسهم، ولكنهم ينسون أن القدس قضية أمن وطني، وما يحدث يضرّ بمصالح الأردن، إضافة إلى الرمزية العالية التي تحتلها المدينة في عمق الوجدان الأردني، وعند العرب؛ مسيحيين ومسلمين.
ولأننا نعلم أنهم يخططون لمئة عام ونحن غافلون، فعلينا التفكير بعمق والعمل بذكاء للمحافظة على هذه الكتلة السكانية الراسخة في القدس المحتلة، كونها عامل المقاومة الأهم في التصدي لمخططات المحتل، والعمل يلزم أن يكون على مستوى رسمي وحكومي بدرجة رئيسية لترسيخ بقاء المقدسيين في أرضهم بوجه محاولات انتزاعهم، وأيضا هناك دور لمؤسسات المجتمع المدني لتحقيق الغاية.
من يخطط لمستقبل إسرائيل يعلم تماما أن الحالة العربية الكارثية، والانشغال على الاقتتال الداخلي والحروب الطائفية هي فرصة إسرائيل المواتية لاستكمال مخططاتها، وتوفّر لها الظرف الملائم للمضي لتحقيق المطلوب، فهل نستيقظ أم نبقى غافلين؟!