انقضى يوم أردني مشهود توَجّه الملك عبدالله الثاني برسالة عبّر فيها عن فخره واعتزازه بوقفة الأردنيين مع القدس، واصفا الشعب الأردني بنبض الأمة.
مشاركة رئيس وأعضاء مجلس النواب بمسيرات الجمعة، ودعوات الحكومة للمواطنين بالنزول إلى الشارع، مثلت لحظة غير مسبوقة من التناغم والانسجام بين الموقفين الرسمي والشعبي.
قبل ذلك تبنى الأردن موقفا حازما من إعلان الرئيس الأميركي، وأصدرت الحكومة بيانا يرفض الخطوة الأميركية بكل صراحة ووضوح، وعَدّه المراقبون أقوى رد فعل عربي رسمي على القرار.
في الأثناء كانت الدبلوماسية الأردنية تتحرك بكل الاتجاهات لاحتواء الآثار الكارثية للقرار الأميركي، وبلورة مسار دولي وإقليمي بديل لإنقاذ حل الدولتين. بدأت العملية من أنقرة بقمة أردنية تركية، رسمت خطة التحرك بقمة ستشهدها اسطنبول هذا الأسبوع لزعماء الدول الإسلامية، يسبقها دعوة أردنية لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة “أمس”، واتصالات واجتماعات لا تتوقف لوزير الخارجية أيمن الصفدي مع الشركاء الأوروبيين المصدومين من قرار ترامب.
وتمخضت هذه الاتصالات عن بيان أوروبي عقب جلسة خاصة لمجلس الأمن، حمل بشدة على القرار الأميركي، وساند بقوة موقف الفلسطينيين العادل، ودعم دور الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
ينبغي توظيف كل هذا الزخم أردنيا. في القضايا الكبرى وبعيدا عن الخلافات حول المسائل الداخلية تلتقي الإرادة العليا مع الشارع الأردني. هذا ليس أمرا مستغربا، فكما الحال عند سائر الشعوب فإن التحديات الكبرى هي التي توحّد الناس.
القدس وبما تمثله في الوجدان الأردني، كانت على الدوام عنوانا أصيلا من عناوين الوحدة الوطنية. لم يكن بمقدور أحد أن يزاود على الموقف الأردني من القدس حتى عندما يختلف معه في الموقف من معاهدة وادي عربة أو العلاقة مع إسرائيل.
لكن التحدي هذه المرة يأتي في وقت عصيب على الأردن، فالعالم العربي في سبات عميق، النظام العربي الرسمي منهار فعليا. رد الفعل على القرار الأميركي من عواصم عربية كبرى كان باهتا وباردا، ويؤكد من جديد الحقيقة المرة وهى أن القدس ليست أولوية بالنسبة لهم.
داخليا لسنا في أحسن حال؛ نعاني من أوضاع اقتصادية صعبة تقيد قدرتنا على المناورة السياسية وتفرض حدودا للتصعيد. لكننا بالرغم من ذلك نستطيع أن نحافظ على حالة الإجماع الوطني المتحققة، وتوفير أكبر دعم ممكن للموقف الرسمي الأردني ليستمر في سعيه لمنع فرض سياسة الأمر الواقع، وهى الصيغة الأكثر تهديدا لمصالح الأردن العليا وأمنه الوطني.
التشبيك مع الجانب الفلسطيني أمر في غاية الأهمية. في اليوم التالي للقرار الأميركي اجتمع الملك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن الضروري في الأيام المقبلة الانفتاح على جميع المكونات السياسية الفلسطينية، ودعم اتفاق المصالحة الفلسطينية بكل قوة. وحدة الفلسطينيين وتماسكهم هي العنصر الحاسم في المواجهة.
ينبغي على واشنطن أن تعي أن قوة الموقف الأردني كانت في اعتداله، وقد تلقى هذا الموقف طعنة مؤلمة بهذا القرار، وليس أمامه من خيارات سوى معارضته.