عروبة الإخباري – قال الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في محاضرة نظمها “مركز حرمون للدراسات المعاصرة” في الدوحة بعنوان “كيف نفهم ظاهرة الإسلام السياسي اليوم: “ان قطر اليوم أصبحت رمزاً من رموز الحرية، مهنئاً القيادة والشعب القطري على انتصارهم على الحصار والدول الأربع.
واستهل الرئيس السابق محاضرته بتقديم الاعتذار لمن سماهم عرب الحصار والجوع في اليمن وسوريا، وعرب الغرق في عرض البحر المتوسط الذين لم يجدوا وطناً يؤويهم، وكذلك عرب السجون في مصر الذين يقدر عددهم بـ60 ألف سجين، وأيضا عرب الاحتلال الصهيوني، مؤكداً أن تضحياتهم لن تذهب عبثاً.
وتحدث في الندوة عن الإسلامي السياسي، حيث قال: ان نشأته في أسرة تعتبر الإسلام والعروبة شيئا غريزيا تجعله لا يتعامل معه بعين السخط، مشيرا إلى أنه عندما كان رئيساً لرابطة حقوق الانسان التونسية وقف مع الاسلام السياسي في التسعينيات باعتباره حقوقياً، لكن في المقابل أكد أنه ” لا ينظر له بعين الرضى، خاصة بعد تجربة التحالف معه في تونس”.
وأوضح أن الاعمال في السياسة ليست بالنيات، وإنما بالنتائج، وبالتالي لا يمكن محاسبة أي حركة سياسية إلا بنتائجها، وليس بما يقولوه أعداؤها عنها، أو ما تقوله عن نفسها، مضيفاً أن بعض التنظيمات لعبت دوراً كبيراً في تثبيت الاستبداد، وضربت مصالح المسلمين في العالم أجمع، من خلال عملياتها المسلحة التي ضربت الديمقراطية في عقر دارها، مما دفع الحكومات الغربية إلى إصدار قوانين للتضييق على الحريات العامة داخل المجتمعات الغربية.
وقسم الاسلام السياسي الحاكم بين السني والشيعي، متمنياً عدم وقوع حرب أخرى في المنطقة تكون لصالح الصهاينة.
وتابع إن الاسلام السياسي المعارض ينقسم إلى سياسي مدني، وسياسي معارض عسكري، موضحاً أن الاول ينقسم إلى قسمين معارض مثل جماعة الاخوان المسلمين في مصر، ومقاوم كحركة المقاومة الاسلامية” حماس” وحزب الله قبل 2006، وتورطه في الحرب في سورية ووقوفه إلى جانب النظام السوري، وكذلك حركة طالبان، وسياسي معارض معاضد “بحسب قوله” مثل حركة النهضة التونسية، التي دخلت في تحالف مع النظام القديم، نافياً أن يكون هناك أي رابط بين حركة النهضة و”داعش”، مؤكداً أن الخلافات بينهما جوهرية.
وبين أن من حق الشعوب الحكم على الاسلام السياسي بعد مرور قرابة قرن على نشأته، خاصة أنه بعد وصوله للحكم في بعض الدول، لكن علينا ألا نسقط في فخ أحادية التفكير، متهما الحركات الإسلامية التي أوصلتها الشعوب إلى الحكم، بأنها تخلت عن رأسمالها الأساسي”الأخلاق”، بعد تحالفاتها السياسية، مشيراً إلى أن ما كان يدفع الناس للقبول والترحيب بحركات الإسلام السياسي، قدرتها على طرح البديل الأخلاقي.
وتطرق إلى الحركة الشيوعية حيث قال إن الجميع خلص إلى أن الشيوعية فشلت فشلا ذريعاً، وانتهت إلى نهاية مفجعة، والدليل على ذلك أن روسيا رجعت إلى روسيتها، وأن الكنائس عادت إليها مرة اخرى، وكذلك انهيار كل الدول الشيوعية، وتراجع الفكر الشيوعي، وأصبحت أكبر دولة رأسمالية في العالم هي الصين التي يحكمها حزب شيوعي، مشيراً إلى أن سطوة الفكر الشيوعي والماركسية في الستينيات جعلتنا نتوقع أنها ستسيطر على العالم، كاشفاً ان الثورة الروسية هي أول من أعطى المرأة حقوقها، بينما البرجوازية الغربية كانت بعيدة عن ذلك، مدللا على ذلك بان المرأة منحت حقوقها بعد الثورة الروسية عام 1917، بينما لم تحصل عليها في فرنسا مثلا إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وبيّن أن حديثه ينصب على الاسلام السياسي المعاصر، موضحا أن الاسلام السياسي غير في أفكاره عندما أخذ على عاتقه مسألة حقوق الانسان، ومع ذلك هناك من ينظر إليه على انه لُقّح بحقوق الانسان” بحسب عين الرضى” و”عين السخط ” لوث بحقوق الانسان وقيمه.
ووصف المرزوقي الحركات الاسلامية التي حكمت بعض الدول بأنها لا تختلف عن الحركات العلمانية من حيث الاستبداد والقمع، واصفاً حركات “الإسلام السياسي المسلح الجهادي”، بأنها تسببت في قفزة اقتصادية هائلة في مجال الأمن الذي بنيّ على مكافحة الإرهاب، وحققت مكاسب كبيرة للشركات التي تبيع أنظمة الأمن والمراقبة، لكن في المقابل هذه ضربت الديمقراطية في مقتل، مما جعل كل الدول تسن قوانين لمحاربة الارهاب، وهي في الحقيقة قوانين مضيقة للحريات وحقوق الانسان.
واتهم حركات “الإسلام المسلح الجهادي”، بالمشاركة في المسؤولية عن مقتل مئات الآلاف من الناس، وضرب مصالح المسلمين في العالم الغربي، إلى جانب النظم الاستبدادية في دول الربيع العربي، مؤكداً ان ضربات الارهاب في تونس هي التي سهلت للنظام القديم الرجوع للحكم مرة أخرى، وبالتالي فإن ظاهرة الارهاب هي أكبر مصيبة للربيع العربي.
واستعرض المرزوقي تجربته مع حركة النهضة أثناء توليه الرئاسية التونسية، حيث قال إن الطلاق معها وقع بسبب تحالفها مع “الثورة المضادة، الممثلة بالـ “النظام القديم”، موضحا أن مبرر النهضة لهذا التحالف الخشية من حدوث حرب أهلية، وهو الخيار الذي كان مستحيلاً” بحسب قوله” لتجانس وتعاضد المجتمع التونسي، وعدم وجود طوائف أو عرقيات به.
وخلص إلى أنه يشعر بالأسى لفشل الإسلام السياسي، خاصة في ظل لجوء الاسلام السياسي المدني للاحتماء بالأنظمة القديمة، ودخول الاسلام السياسي العسكري في ورطه لا يدري إلى أين يذهب، ربما إلى الدمار الشامل، معتبراً أن هذا الفشل قبل أن يكون فشلا للإسلام السياسي هو فشل للأمة.