عروبة الإخباري – قدمت الفرقة المسرحية الجزائرية المشاركة بمهرجان الزرقاء المسرحي العربي المقام على مسرح مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي عرضا لمسرحية الكاتب الإرلندي أوسكار وايلد ” زوج مثالي ” ،التي تناول فيها الفساد الإداري والسياسي والمالي في المجتمع اللندني ، وهي ظاهرة عالمية ، مما جعل كثيرا من مسرحيي العالم يتناولونها بأشكال مختلفة، كل مخرج حسب رؤيته للفساد ، ومن أشهر المسرحيين العرب الذين استفادوا من فكرتها الغنان الكبير فؤاد المهندس بمسرحيتة ” سك على بناتك ” ..
لقد حافظ مخرج العمل الجزائري الفنان الهادي بو كرش على مسمى المسرحية الأصلي ، مما يعني المحافظة على جوهرها كما أورده أوسكار وايلد ، ومن ضمنها أسماء شخصياتها ، لكنه أضاف للعمل بصمته من حيث اختياره مكونات العمل المتمثلة بأسلوب الإخراج والممثلين والديكور والإضاءة وإشراك .. ، فقد أستغل المخرج كل الفضاء المسرحي ، فلم يترك فراغات على مساحة خشبة المسرح ، كما وزع الممثلين على مساحة الخشبة ، وحركهم بما يتناسب مع توزيع المساحات ، ويبدو أنهم تدربوا جيدا على المحافظة على المسافات فيما بينهم وأدوات الديكور كما أوضحت لي الفنانة نينا ملوكا بعد الانتهاء من الجلسة النقدية ، التي لم تعط هذا العمل مساحته اللازمة من حيث التحليل والحوار ، بينما استفاضت بالحديث حول عموميات الفن المسرحي وبديهياته .. ،
اوضحت الفنانة نينا ان المخرج بوكرش درس بعمق حركات ممثليه وأداءهم اثناء انفعالاتهم وهم يتقمصون شخصيات العمل ، فقد بدا لي هذا واضحا من خلال حركة سقوط الكأس الزجاجي من يد الممثل على خشبة المسرح فتهشم ، باعتبار هذه الحركة التي تحتاج الى الحيطة من الوطئ على شظايا الكأس رؤية إخراجية ،
اندمج الممثلون مع أدوارهم فكانوا مقنعين بهدا الأداء ، مما حقق المتعة والفرجة لدى الجمهور الذي أشركه المخرج بجعله جزءا من الأداء التمثيلي ، وهواسلوب اعتمده المسرح التجريبي الذي كانت بدايته الحقيقية عربيا في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي من خلال المسرح الجاد ،
جاءت لغة الممثلين الجسدية واللفظية متجانسة ، غير أن طبقات أصوات بعضهم ذات النبرات العالية أخفت مخارج أواخرالكلمات ، لكنها كانت تعود الى سلامتها عندما تكون طبقات أصواتهم أقل ارتفاعا ،
أما الإضاءة فجاءت ذات أبعاد جمالية كثيفة الإيحاء من خلال توزعها بين الجمهور والممثليين الذي تداخلو مع الجمهور باعتبارهم جزءا منه ، وأيضا من خلال توظيف العتمة باعتبارها جزءا من الإضاءة فهي تستر حركات تداخل الممثلين مع الجمهور ، كما أنها تضفي جوا مسيطرا من الانتباه والإنصات والسكون والرهبة أيضا ،
لقد استخدم المخرج الإضاءة بذكاء وجماليات أضفت على العمل قدرا كافيا من التشويق واللعب على مشاعر الجمهور وإثارته وتحويله الى العنصر الثالث الأساسي لإنجاح المسرحية ،
أما الديكور قد أعجبني من حيث عدم تكلفته وبساطته وإعطائه الدور المساعد على توصيل مضمون النص المسرحي الى الجمهور ، واستغلال المخرج ممثليه للتفاعل مع بساطة الديكور وإغناء المخيلة بالدلالات ،
لقد حققت المسرحية الغرض الأساسي من المسرح وهو الفرجة والمتعة والفائدة بايضاح دور الفساد الذي ينخر المجتمع ، وباستيفاء عناصر العمل المسرحي الناجح من وحدة الزمان والمكان والعرض والجمهور برؤية مضافة قدمها المخرج لنص أوسكار وايلد .