ما هي الرسائل في مؤتمر “الخيار الأردني.. الأردن هي فلسطين”؟ وما هي نتائجه؟ هل هو حقاً مشروع إسرائيلي جدي، أم هو لعبة في الهواء الطلق؟ عقد تحت رعاية المركز الدولي اليهودي للحوار، تحت هذا العنوان في مركز تراث بيغن، وربما برعاية خفية من الحكومة الإسرائيلية كما هو واضح، وإعادة إحياء الخيار الأردني يعني أن وطن الفلسطينيين الحقيقي هو في الأردن، وأن الحل لا يتجاوز هذا الخيار. هذه الرسالة الرئيسية، فما هي الرسائل الفرعية التي سوف توجه بدون شك إلى الأردن، للولايات المتحدة وللفلسطينين، وربما للإسرائيليين. أولاً: الصيغة الرمزية للمؤتمر، مكانه القدس، ولها ما لها في ضمير العائلة المالكة والشعب الأردنيين. الشكل معارض أردني غير معروف، إلا على ساحات التواصل الاجتماعي، ليس له أي نشاط حقيقي على الأرض، اشتهر بنقده اللاذع وغير الموضوعي، كأن يطلق صرخات دائمة ضد النظام ومؤسسات الحكم والعائلة المالكة، وكان مظهره يبدي تشبيهاً شديد الدلالة، أولاً يتدثر بالشماغ الأردني المعهود وبالطريقة التي يرتدي فيها الملك عبد الله الثاني، وسائر الملوك الهاشميين، في شكلٍ يألفه الأردنيون كثيراً، وكانت لغة الحديث الإنكليزية، وهي اللغة التي يتحدث فيها العاهل الأردني في المنتديات الدولية بطلاقة عالية.
ثانياً: الطرف الداعي للمؤتمر هو اليمين الإسرائيلي المتطرّف، والذي يبدو أنه مستقبل إسرائيل. وتقول رمزية الشكل إن لدى هذا اليمين القدرة على صناعة بديلٍ وترويجه، بالصيغة نفسها، وبالشكل نفسه، وإن كانت لن تحظى بالقبول في البداية، ولكن يمكن ترويجها من خلال التكرار، وجعلها خياراً مستقبلياً مطروحاً، بالنسبة للغرب على الأقل. هذه الصيغة الإيحائية موجهة إلى الأردن بالدرجة الأولى، ونص الرسالة أن إسرائيل يمكن أن تعترف بهوية فلسطينية، لكنها أبداً لن تعترف بهذه الهوية على الأرض الفلسطينية بذاتها وطنا لها، وإنما يمكن أن يكون هذا الوطن في أي مكان في العالم غير فلسطين المحتلة، والأردن من الأماكن المطروحة، وعليه في حال كان اليمين في السلطة وحده أن يتعامل مع هذا الخيار بواقعية، وإلا سوف تكون لهذه الرموز السابقة مدلولاتها على الأرض.
جاء ذلك كله بعد المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، برعاية مصر، والخلاف الإسرائيلي الأردني بشأن الحرم القدسي، وبعد مقتل مواطنين أردنيين على يد الجندي الإسرائيلي، وبعد الفتور الأردني الإسرائيلي، وكذا الشد والجذب. وهذا كلام يحاول أن يضع الأردن على عتبه الأرق المستدام، بأن اليمين الإسرائيلي يرى أن حل القضية الفلسطينية ليس في غزة، ولا في الضفة الغربية، بل في عمّان. لذلك على الأردن التخلص من مطالبه لإسرائيل لقضايا كثيرة.
بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهي رسالة واضحة الدلالات والمعاني، أنه في حالة الإجهاز على رئيس حكومة دول الاحتلال الحالي، بنيامين نيتنياهو، من خلال قضايا الفساد والسكوت، أو التغاضي عن وحدة الصف الفلسطيني، فإن الخيار المستقبلي في إسرائيل لن يكون لليمين المعتدل، بل سيكون لأقصاه، حيث سوف يتم المس والعبث بشركاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين، ومن أهمهم الأردن. إذاً هي رسالة لتخليص نتنياهو من ورطته التي هو فيها، وربما أيضاً كي تدفع بالولايات المتحدة إلى الذهاب أبعد، بالتصرف فيما تعتبره خطراً إيرانياً بات قريباً منها.
أما الرسالة للفلسطينيين فهي أن إسرائيل أبدا لن تسكت عن مصالحةٍ تقرب بين حركتي حماس وفتح، ما لم تصبح “حماس” كما صارت منظمة التحرير سابقاً، بالتخلي عن الميثاق الوطني الفلسطيني، والدعوة إلى القضاء على إسرائيل، وهذا يترجم على الأرض بنزع سلاح “حماس” والتزامها باتفاق أوسلو، والتخلي عن تواصلها مع إيران، والانطواء داخل عملية السلام، وإلا فإن هذه المصالحة محكوم عليها إسرائيليا بالفشل، ولن ترضى بالتعامل مع أيٍّ من نتائجها لا على المدى القصير أو البعيد، وهي تقول أيضاً إنه، في حال سقوط نتنياهو، فإن من سيتلقفهم هو من لا يرضى بوجودهم إلا خارج حدود النهر.. هل تلقى هذه الرسائل المركبة من نتنياهو واليمين مكاناً في الجهات المرسلة إليها.
على سذاجة هذه الرسائل، فإن الجميع التقطها، وهي التي يفترض فيها نتنياهو أنه مثل شعرة معاوية، على الرغم من كل مساوئه سوف يحافظ الجميع على بقائه، لأنه لا يزال بالصورة نفسها التي هيئت له أن إسرائيل لا تزال بأهميتها الاستراتيجية نفسها بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والمنطقة. ونتنياهو يراهن على هجرة الطبقة الوسطى، ولن تقوم لليسار الإسرائيلي قائمة، وكذلك الوسط. والتطرف خيار إسرائيل المستقبلي، وسوف تلزم خياراته المجنونة الجميع باتباعها، هذا ما يحدّث نتنياهو نفسه، أن العالم سوف يهرع لإنقاذه من جديد، والبحث عن خياراته المجنونة ورسائله الواهية، والتي اعتمدت على أن المحيط، والداخل كذلك، أضعف من أن يردّا له مطالب أو هواجس.
مع ذلك كله، على الأردن أن يعيد خياراته أن إسرائيل الحالية هي غير إسرائيل إسحق رابين، بل هي إسرائيل اليمين المتطرّف الذي لا يرى أمامه إلا مرآة تعكس ذاته ومصالحه المتطرفة، والذي تقوده فئه متدينة، ترى في التوسع والحقد والضغينه سبيلها الوحيد، وعلى الفلسطينيين أن يتمسكوا بخيار وحدتهم، لأنها سبيلهم الوحيد لمواجهة صلف هذا اليمين. ولكن، من يقنع الولايات المتحدة الأميركية أن هذا اليمين، ونتنياهو ليس إلا جزءا منه، لن يقود الولايات المتحدة وسمعتها ومثلها التي تدّعي أنها تدافع عنها هباء الرياح، وأن هذا اليمين هو الصانع الحقيقي للفكر المتطرّف، وأن أي حرب على الإرهاب لن تبدأ في أي مكان في العالم إلا هناك، حيث يصنع هذا اليمين حالةً من الكراهية والقهر، تدفعه إلى تبني الخيارات الصفرية التي تنتج الإرهاب وتولده.
رسائل من مؤتمر دعى إليه أشخاصٌ لا يمكن أن يوصفوا إلا بالخونة، وقد أكون مخطئاً. ولكن لا ضير أن نعيد تفسير بعض الأمور بقدر كبير من الشطط، وإن كنت على اطلاع بأنه أردنياً أحدث ردات فعل كثيرة معاكسة تماماً لما هدف إليه هذا المؤتمر.