ثلاث دراسات مهمة ورئيسة أصدرها مؤخراً المجلس الاقتصادي والاجتماعي تتناول مجالات مهمة ورئيسة، الدراسة الأولى أثر قرارات الحكومة الضريبية في شهر شباط (فبراير) 2017 على نمط إنفاق الأسر، الدروس المستفادة، والدراسة الثانية تقييم برنامج إعادة الهيكلة والعلاوات على القطاع العام والمدني، والثالثة عن آثار التطورات الإقليمية على الأردن، بصورة خاصة في الجانب الاقتصادي.
اطّلعت على الدراسات الثلاث المطوّلة، وقرأتُ بعناية الدراسة التي رصدت آثار التطورات الإقليمية على الاقتصاد الأردني، وهي الأولى من نوعها التي تقترب من هذا الموضوع المهم والحيوي، وتدرسه على صعيد مختلف القطاعات، وتتضمن مراجعة لما حدث في المنطقة في الأعوام الماضية، مروراً بالربيع العربي والأحداث في سورية والعراق، وتضعنا أيضاً في صورة المديونية والعجز والناتج المحلي والمؤشرات الأخرى لحالة القطاعات المختلفة، والتشريعات والسياسات الحكومية، والأهم من هذا وذاك أنّها تقدّم توصيات واقتراحات في كل بند من البنود السابقة.
نتائج الدراسة الثالثة فيها تشريح مهم لأوضاع قطاعات متعددة ومجالات مالية واقتصادية حيوية على درجة من الأهمية، وقدر جيد من التحليل المهم، حتى وإن اختلف آخرون مع بعض جوانبه، وهذا طبيعي، لكنّه يتيح لنا النقاش العلمي والموضوعي في هذه المجالات.
من بين الأمور التي لفتت انتباهي وتخللت بعض التوصيات، أمران رئيسان؛ الأمر الأول التوصية بضرورة تنوير الرأي العام وإطلاعه على بعض الأمور، لأهمية معرفة التفاصيل فيه، مثلما هي توصياتهم بتعريف المواطنين بمعنى احتياط الأردن من النقد الأجنبي ودلالاته، وأيضاً السياسات المالية للحكومة والنفقات وغيرها.
المهم في الأمر، في نظري، أنّ المجلس يلفت انتباه الحكومة إلى أهمية الرسالة الإعلامية، وإلى توضيح كثير من الأمور الاقتصادية، بلغة الشارع، وتبسيطها، كي يفهمها الناس، وحتى لا تظل نسبة كبيرة من الشارع تساق بالدعايات والأفكار المعلّبة المسبقة، فإذا أردنا اتخاذ قرارات لا بد من شرحها بصورة واسعة، وشرح أبعادها وأسبابها بصورة مفصّلة، وليس فقط محاولة الترويج لهذه القرارات بصورة سطحية وفي الوقت الضائع!
الأمر الثاني التحذير من أن يتجه التفكير الحكومي في الغالب إلى فرض الضرائب والرسوم من أجل تحسين الإيرادات، كاستحقاق للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بينما التجارب المستفادة والدروس الرئيسة تشير إلى عكس ذلك تماماً، أي إلى أنّ المردود سيكون سلبياً للضرائب على الاقتصاد الوطني، في مرحلة الأزمات الاقتصادية والمالية. بدلاً من ذلك لا بد من التفكير برفع معدل الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي (وتشير الدراسة إلى معدل مرعب في النمو الاقتصادي وخط بياني تنازلي بصورة حادة، حتى وصلنا إلى قرابة 2 %، أي تقريباً عدم وجود نمو)!
قد يختلف البعض مع نتائج هنا أو هناك، وقد يتفقون، لكن ما هو أهم هو التفكير المنهجي في مشكلاتنا الوطنية، وبناء السيناريوهات والخيارات بطريقة موضوعية وعلمية، لأنّ مشكلة الحكومات لدينا، دوماً، أنّها تفكّر مالياً وليس اقتصادياً، وهذه خطيئة كبيرة، لأنّنا في النهاية دولة، وهناك عناصر موازية للموازنة، وقطاعات إنتاج وأبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية، من الضروري ألا تغيب عن تفكيرنا في المستقبل.
وجود المجلس الاقتصادي الاجتماعي، بقيادة خبير مثل د.مصطفى حمارنة، في السياسات العامة، وفي دور مراكز التفكير أمر مهم جداً، لكن من الضروري أن نجد تطبيقاً لكلام رئيس الورزاء، الذي زار المجلس قبل أسابيع قليلة، وأكد على ضرورة أخذ التوصيات بعين الاعتبار!
نتمنى أن يتجه المجلس في عملية التشريح والدراسة التي يقوم بها إلى موضوعات مرتبطة بهوية الاقتصاد الوطني، وأولوياتنا، وأثر التحولات الاقتصادية على العقد الاجتماعي في الأردن، لأنّها تضيء لنا أكثر لنفهم ما يحدث!