يصل هذا الأسبوع الى واشنطن قائد الجيش اللبناني جوزيف عون في زيارة ثانية منذ توليه المنصب، تتزامن هذه المرة مع اقتراب تصويت الكونغرس على مشروع العقوبات ضد «حزب الله» وشبكة تمويله في لبنان والخارج، والمتوقع أن ينال موافقة غالبية واسعة في مجلسي الشيوخ والنواب.
التصويت المرتقب في مجلس النواب قبل نهاية الشهر يأتي بعد تعديلات على المشروع وزيارات متكررة الى واشنطن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووفود نيابية من حركة أمل وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، الى جانب زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري في تموز (يوليو) الفائت. الزيارات نجحت في حصر المشروع بـ «حزب الله» ومؤسساته الاجتماعية، وتحييد المصارف اللبنانية الى حد ما وشطب أسماء أحزاب وشخصيات لبنانية قريبة من الحزب أو متحالفة سياسياً معه.
عقوبات الكونغرس لا تأتي في فراغ، وهي مؤشر ضمن لائحة طويلة تنذر لبنان بمرحلة دقيقة عنوانها المواجهة مع الحرس الثوري الإيراني إقليمياً، وخطوط حمر متزايدة لإسرائيل في التعاطي مع التحولات اللبنانية والسورية تخيف المتابعين من شبح حرب مقبلة. الإدارة الأميركية الحالية على خلاف سابقتها، مدركة وموافقة على أولوية وقف المد الإيراني وما سماه قائد القيادة الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل «محور طهران- بيروت» الذي وصل بنفوذه الى مستوى فرض مراجعة أميركية وإقليمية في التصدي له.
لبنان هو في صلب هذه المواجهة. فسياسة النأي بالنفس ومحاربة «داعش» لم تعد كافية لشراء الوقت وإبعاد بيروت عن حلبة الملاكمة الإقليمية، التي بدأت بأدوات مختلفة من اليمن الى غزة ومستمرة في دمشق وبغداد. في هذه الحلبة، يتم النظر الى «حزب الله» كالذراع العسكرية والإقليمية الأقوى لطهران خارجياً، ولا يمكن لبنان أن يتنصل من ذلك أو أن يفرض تغييراً في هيكلية الحزب السياسية والعسكرية، ما يُحوِّل الجدل اليوم الى سيناريوات تأثر لبنان ووسائل تفادي مواجهة كارثية.
السيناريوات المطروحة تبدأ أولاً بالعقوبات سواء من الكونغرس أو الإدارة الأميركية، وضغوط من واشنطن على الأوروبيين لوقف التمييز بين جناحي «حزب الله» العسكري والسياسي، وأخرى قد تأتي من دول خليجية وقد تؤذي لبنان اقتصادياً أكثر من غيرها بسبب اعتماد الاقتصاد اللبناني على تدفق المال من المغتربين لتحريك السيولة داخلياً مع انهيار معدل النمو الى نسبة ١ في المئة. وبعد العقوبات، هناك التهديد الإسرائيلي وزيادة الطلعات الجوية فوق لبنان أو عبره لضرب سورية ووسط مخاوف من حدوث مواجهة شاملة على غرار حرب ٢٠٠٦.
المراقبون والمحللون يرون أن المواجهة الشاملة مستبعدة لأن الوصول الى «حزب الله» هو أسهل لإسرائيل اليوم في الساحة السورية منه في لبنان. وأولوية إبعاد إيران من الجنوب السوري تأتي قبل إشكالية التهديد من لبنان. ويقولون إنه بالنسبة لـ «حزب الله» فليس من مصلحته إشعال جبهة ثانية تلهيه عن الساحة السورية، والتي لن ينتهي القتال فيها قريباً. إلا أن المخاوف من تنامي نفوذ «حزب الله» – وما نقلته «وول ستريت جورنال» عن وجود مصانع صواريخ للحزب في البقاع وجنوب لبنان – أعاد الحديث في أروقة أميركية عن خطر مواجهة قريبة ستفوق بأضرارها ومدتها كابوس الـ٢٠٠٦.
الدولة اللبنانية ليس بيدها أوراق لمنع المواجهة أو تغيير قواعد اللعبة. ورقتها الوحيدة تبقى شراء الوقت وربط حزام الأمان الى حين هدوء العاصفة، ومحاولة العمل على الشق الاقتصادي لتفادي انهيار كامل مع وصول نسبة العجز مقابل النمو الى ١٤٠ في المئة.
هناك إدراك إقليمي ودولي أن عقدة «حزب الله» بالكامل لا يمكن حلها عسكرياً، وتحتاج الى استراتيجية طويلة المدى. في الوقت ذاته، يُنظر الى «حزب الله» على أنه في الساحة الأمامية لإيران في لعبة الشطرنج الإقليمية، وتهديده الجغرافي والصاروخي إسرائيل خرج عن نطاق الاحتواء والمقبول. وهذا يضع لبنان أمام خيارين أحلاهما مرّ، الأول مواجهة تدريجية تستمر سنوات لاحتواء «حزب الله» وتحشر بيروت اقتصادياً، والثانية كارثية تعيد سيناريو ٢٠٠٦ على نطاق أوسع وأشرس لتغيير المعادلة.