وأنت تتابع أخبار الأردن من الخارج، ومع توالي الأنباء، يبدأ انطباع ما بالتشكل في الذهن، ليرسم صورة لماهية الوضع في الأردن، تحديدا للمغتربين والمستثمرين.
على مدى أيام تقرأ أخبارا عن أكبر عملية سرقة كهرباء، بتفاصيل لا يتصورها أحد، ثم تشاهد فيديو بشع لرجال أمن يعتدون على مواطن، كاسرين صورتهم في وجدان الناس، ثم تخرج أخبار عن ضبط سرقات مياه واعتداء على الخطوط، ثم ضبط كميات كبيرة من المخدرات، عدا عن التقارير الدولية التي أساءت للأردن بقصد أو بغير قصد.
في الأثناء، تأتينا الأخبار المحزنة بالقرار المفاجئ لحزب التيار الوطني معلنا فيه مباشرته ببحث حل الحزب الذي يرأسه رئيس مجلس النواب الأسبق عبد الهادي المجالي، بسبب “تغييب العمل الحزبي وعدم اتخاذ إجراءات تشريعية تعمل على تعميق الحياة الحزبية وتقويتها” في البلاد، وفقا للمجالي الذي يرى أننا “نعيش مرحلة من عدم الوضوح في الرؤيا السياسية تقوم على التهميش“.
الأنباء السلبية لا تتوقف أبدا، فنقرأ حول حزمة القرارات الوشيكة لتنفيذ متطلبات السنة الثانية من البرنامج الموقع مع صندوق النقد الدولي، بينما تفيض وسائل الإعلام بأخبار عن محاولات انتحار وقتل وعديد جرائم وجنح، تتنوع أشكالها؛ من اعتداء على أطباء وممرضين، وتطاول على القانون بطرق مختلفة، لدرجة تصدم حتى من يتواجد على أرض المملكة.
أمام هذا المشهد، بالكاد يشعر المراقب بالإيجابيات، ففي الفترة ذاتها حصل شباب أردنيون على جوائز عالمية، وشهدنا أسبوع عمان للتصميم الذي يبرز المواهب والكفاءات والإبداع الشبابية الأردنية، كما كان الأردن مسرحا مفتوحا لأنشطة فنية وثقافية عديدة، بيد أن كل هذا البهاء والتألق غرق في بحر الأحداث المؤسفة والصور السلبية.
قليل من الرصد للأحداث السيئة كفيل بتغييب الجانب الإيجابي المشرق، لتسيطر السلبية على العقل الأردني وتجعله يهمل الإيجابي ويتطلع فقط إلى السلبيات. كل ذلك لا ينفصل، أيضا، عن المزاج الحاد الذي تعمّق في غضون السنوات القليلة الماضية، حتى أن ممارسات بعض رجال الأمن المرفوضة لا تنفصل عن حالة اجتماعية عامة تحتاج إلى تحليل ودراسة من قبل الخبراء.
صورة اعتداء رجل أمن على مواطن، لا تقل بشاعة عن محاولة والد قتل ابنته بشحنات كهربائية، وسرقة الكهرباء والماء لا تنفصل أبدا عن قناعةٍ مريضةٍ بأن المال العام مباح، أو أن التطاول على القانون ممكن.
ما يتوجب علينا إدراكه هو أن الصورة السابقة بكل تفاصيلها الموجعة لم تعد أمرا محليا، كما أن تأثيرها لن يقتصر على الداخل، بل يسهم كثيرا في تشكيل صورة الأردن في أذهان من يتابع من الخارج، وأهمهم المستثمرون الذين يتطلعون للأردن كفرصة استثمارية، خصوصا مع كل الجهود المبذولة لإقناعهم بالقدوم إلينا، وكل الامتيازات والدوافع تفقد بعضا من قيمتها في ظل هذه الصورة القاتمة.
تكرّس هذه الصورة، أيضا، الحالة الإقليمية التي تشتد قسوة بمرور الوقت، وكل ما يعانيه الأردن جراءها من حصار اقتصادي وأعباء مالية إضافية ناجمة عن حالة اللجوء التي تستنزف أكثر من ربع الموازنة العامة.
بصراحة؛ لن نستطيع إقناع المستثمر بالقدوم إلينا إلا إذا عملنا على ترتيب بيتنا الداخلي، من خلال ترتيب أجندة أولوياتنا التي لن نستطيع تنفيذها إلا بدولة المؤسسات والقانون، وإحدى صورها الأكثر تأثيرا نستطيع أن نستشرفها من رجل الأمن وعلاقته مع المواطن بدرجة رئيسية.
عبور هذه الأوقات العصيبة ممكن بإعادة الاعتبار لكل ما يؤسس لدولة القانون، بما يشتمل عليه المفهوم من بناء سليم للمواطنة الحقيقية التي تبني مجتمع العدالة والمساواة، ليصبح الأردنيون سواسية أمام القانون، لا أن نظل نهبا لمحسوبيات وتكتلات تنخر في بنائنا المدني، وتشجع على خرق القانون، وتجذّر “ثقافة” استحلال نهب المال العام.