لا يخفي المشرفون على جوائز نوبل الرغبة في توجيه رسائل مباشرة من خلال جوائزهم كل عام، وخصوصاً جائزة نوبل للسلام. لكن رسالتهم هذه السنة بمنح هذه الجائزة لمنظمة مناهضة لانتشار السلاح النووي، وشبه مجهولة من الرأي العام، هي أشبه بإنذار الى العالم والى المسؤولين فيه بنوع خاص، لتحذيرهم وتحذيرنا مما يمكن أن يلحق بنا جميعاً إذا تمكن مهووسون أو متطرفون من وضع يدهم على هذا السلاح الفتاك. قالت لجنة نوبل في تبرير منح الجائزة: نحن نعيش في عالم بات خطر استخدام الأسلحة النووية فيه أكبر مما كان منذ زمن طويل.
لا يتوقف الأمر على تنظيمات إرهابية على شاكلة «داعش» وأمثاله، فالخطر الأكبر من استخدام السلاح النووي يأتي من حكومات ودول كبرى لها وزنها على الساحة الدولية. هذه الحكومات والدول يمكن أن تكون مصدر الخطر، لأنها تمتلك هذا السلاح أو أن لديها القدرة على امتلاكه، ويزيد الخطر بالطبع عندما تصبح مقدرات هذه الدول في يد أشخاص غير مؤهلين للقيادة أو متهورين عند اتخاذ القرار.
في هذا السياق، يمكننا افتراض أن المشرفين على نوبل لم يشعروا بالانزعاج عندما انبرت مديرة المنظمة الفائزة بجائزة السلام هذا العام (الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية، المعروفة اختصاراً بـ «آيكان» وهي الأحرف الأولى لاسمها الكامل بالإنكليزية (International Campaign to Abolish Nuclear weapons)، تشير بإصبع الاتهام مباشرة الى الرئيس دونالد ترامب، الذي قالت عنه إن انتخابه يجعل عدداً كبيراً من الناس يشعر بالقلق، لأنه قادر وحده على أن يسمح باستخدام أسلحة نووية. وفي وصفها طريقة اتخاذ القرار في البيت الأبيض في ظل ترامب، قالت بياتريس فين، مديرة المنظمة، إن ترامب يميل الى عدم الإصغاء الى الخبراء، كما أن كونه يشرف على ترسانة نووية ضخمة يجب أن يسلط الضوء على الخطر الذي يمكن أن ينجم عن امتلاكها. خصوصاً مع تهديد ترامب كوريا الشمالية بـ «الدمار الكامل»، وحديثه عن «الهدوء الذي يسبق العاصفة» عند اتهامه إيران بعدم احترام الاتفاق النووي.
ردّ الرئيس حسن روحاني على «عاصفة» ترامب بالقول إن عشرة من أمثاله لن يستطيعوا منع إيران من الإفادة من الاتفاق النووي مع الغرب، فيما بادر الرئيس الكوري الى الردّ بأن خطاب ترامب أقنعه بضرورة امتلاك سلاح نووي، ليضيف وزير خارجية كوريا الشمالية أن خطاب ترامب يشبه «صوت كلب ينبح»، ثم حذر من أن بيونغيانغ قد تختبر قنبلة هيدروجينية في المحيط الهادئ رداً على تهديد الرئيس الأميركي، وأن هذه التجربة الجديدة «قد تكون أقوى تفجير لهذه القنبلة».
قد يقال هنا إن كيم يحكم وحيداً في نظام ديكتاتوري، لا ينازعه فيه أحد القرار، وأن الوضع مختلف مع رئيس في نظام ديموقراطي مثل النظام الأميركي. غير أن ما تسرب مؤخراً عن خلافات ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي كان يسعى الى مفاوضات بعيدة من الأضواء مع حكومة كوريا الشمالية، فضلاً عن خلافه مع وزير الدفاع ماتيس في شأن التزام طهران بالاتفاق النووي، لا يترك انطباعاً بأن اتخاذ القرار في واشنطن يختلف عما هو الحال في بيونغيانغ. وردّ ترامب على تيلرسون في «تويتر» أصبح ذائع الصيت من فرط انتشاره: إنك تضيع وقتك في محاولة التفاوض مع رجل الصاروخ الصغير… وفّر جهوداً يا ريكس، فسنفعل ما علينا أن نفعله.
ومع أن تيلرسون لم يرد مباشرة، غير أن التسريبات بدأت تظهر بعد ذلك، وخصوصاً في تقرير على شبكة «ان بي سي» أكدته «سي ان ان» فيما بعد، من أنه أطلق على ترامب صفة moron (غبي أو مغفل)، في أحد الاجتماعات في البنتاغون مع عدد من المسؤولين في جهاز الأمن القومي وأعضاء في الحكومة. لم يكذب تيلرسون هذه الرواية، إلا أنه نفى ما تردد عن نيته الاستقالة. لكن ولاء تيلرسون لرئيسه (حتى الآن) لا يبدد القلق من أخطار التهور في استخدام السلاح النووي، والذي سعت لجنة نوبل الى تنبيهنا اليه هذا العام.