بالتأكيد نعم. حق التقاضي مكفول بالدستور والقوانين لكل إنسان، وهذه من البديهات التي لا تحتاج لنقاش أو اجتهاد.
هل كان بمقدور النائب طهبوب أن تتغاضى عن الشكوى، وتكتفي برد “فيسبوكي” فقط؟
نعم، كان بمقدورها ذلك بوصفها شخصية عامة كسائر الشخصيات التي تتلقى كل يوم سيلا من الانتقادات حد التجريح والإساءة الشخصية.
هل النائب طهبوب هى المسؤولة عن توقيف الناشط السياسي اليساري راكان حياصات؟
ليست مسؤولة في اعتقادي. التوقيف من عدمه هو إجراء يتخذه المدعي العام ينبغي احترامه، والعمل بالوسائل القانونية المتاحة لضمان تكفيل الموقوف لحين البت في القضية.
هنا وفي كل مكان في هذا العالم يدور جدل طويل حول حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي. الإعلام الجديد بات يشكل تحديا للقوانين السارية حتى في الديمقراطيات العريقة، وبالنتيجة تقف السلطات عاجزة أمام آلاف الحسابات الوهمية التي تنشر الأخبار المزيفة، وتكيل الاتهامات جزافا.
ولم يكن من وسيلة للحد من الضرر الواقع على الأمن الوطني للبلدان إلا بإجبار إدارات شركات المواقع العالمية “فيسبوك” و”تويتر” على سبيل المثال إغلاق الحسابات التي تحضّ على الكراهية أو تروج للجماعات الإرهابية والأفكار العنصرية.
لكن في حالات كثيرة كحال قضية النائب طهبوب، يبدو الأمر مختلفا ويندرج في سياق قانوني بحت أطرافه معروفة ومكشوفة بالاسم، يخوضون في نقاشات مستمرة حول قضايا خلافية تتصل بالخلفيات الفكرية والحزبية لهم.
مثل هذه المناقشات والتعليقات تدور يوميا على صفحات التواصل الاجتماعي، وتطال شخصيات عامة على مختلف المستويات، ولا يمكن وقفها بإغلاق الحسابات. وبالرغم من أن التشريعات السارية أعطت الحق للمتضررين باللجوء للقضاء إلا أن قلة من الأشخاص يمارسون هذا الحق.
لا شك أن لدينا مشكلة أشد تعقيدا من غيرنا بهذا المجال، فالتعليقات تتسم بالعنف في تعبيراتها وتفتقر للذوق، وتميل إلى التجريح واغتيال الشخصية، والتقليل من مكانة الأشخاص، خصوصا إذا كانوا في مواقع المسؤولية العامة.
لهذه الإشكالية جذور تتصل بالثقافة السائدة وانعدام الحريات لعقود طويلة، وهيمنة العقلية السلطوية، ليس من جانب الحكومات فقط، بل في أوساط الأحزاب والحركات السياسية يسارية كانت أم إسلامية أم قومية.
لغة التخوين هى الدارجة في خطابنا. كل تيار يريد أن يستحوذ على عقل المجتمع ومن يختلف معه يصنف في خانة العدو. لقد شهدنا تجارب هذه التيارات في الحكم، وكيف حولت المجتمعات لسجون كبيرة لا ترحم من يرفع صوته ضد السلطة.
والمؤسف في قضية طهبوب وحياصات أن طرفيها ينتميان لتيارين حزبيين “يناضلان” من أجل الديمقراطية وحرية التعبير، لكنهما لم يتمكنا من إدارة حوار موضوعي وجاد عبر وسيط إلكتروني، فانتهى بهما المطاف إلى ساحات القضاء.
مؤسف حقا توقيف ناشط سياسي على خلفية التعبير عن الرأي، ومزعج جدا أن يلجأ ناشطون لهذا الأسلوب الاتهامي بحق نائب في البرلمان لمجرد خلاف في الرأي.
لكن ماذا بوسعنا أن نقول، فكلنا اليوم نعيش في دوامة فكرية وسياسية تعمي الأبصار والعقول.