يفضل الأردن دون سواه من دول الجوار العراقي أن لا يدلي بتصريحات علنية ومباشرة حول استفتاء الأكراد للاستقلال عن العراق.
على المستوى الجيو سياسي لا يشكل انفصال الإقليم عن العراق أي تهديد مباشر للأردن، ولن يكون للحدث أية تداعيات داخلية كما الحال لدول مجاورة مثل تركيا وإيران وسورية يعيش فيها ملايين الأكراد الطامحين لبناء هويتهم وكيانيتهم المستقلة.
لكن بالعودة لأدبيات السياسة الأردنية تجاه العراق،لا يلحظ المرء ما يمكن أن يوحي بدعم الأردن للحركات الانفصالية،على العكس تماما فكل حديث رسمي عن العراق يبدأ وينتهي بالتأكيد على وحدته أرضا وشعبا، مع حرص على منح جميع المكونات العراقية حقوقها الكاملة ودورها في إدارة شؤون البلاد وتقرير مستقبلها.
وينسحب هذا الموقف على النظرة الرسمية والشعبية أيضا حيال جميع الدول العربية التي تعاني صراعات داخلية ونزعات إنفصالية. وفي ضوء الموقف الإقليمي والدولي الرافض للاستفتاء لايمكن للأردن أن يتخذ موقفا مغايرا لهذا الإجماع.
وإذا كان الأردن كما قلت بمنأى عن التداعيات المباشرة لانفصال كردستان عن العراق، فإنه وعموم دول المنطقة في مرمى التهديد من مخاطر استنساخ التجربة الكردية على أكثر من صعيد، بما يفضي في نهاية المطاف إلى تفكيك الدول القائمة وتحولها لدويلات طائفية ومذهبية وإثنية.
من هذا المنطلق يصبح التفكير باليوم التالي لانفصال كردستان مصدرا للقلق، خاصة وأن مكونات عراقية أخرى على صلة وثيقة بالأردن يغالبها شعور الانفصال وتنظر للأردن بأمل أن يدعمه في خطوة كهذه.
في وقت مبكر وضع الأردن “فيتو” على هكذا خيار، وأبلغ أطرافا عراقية بموقفه الرافض لأي خطط للانفصال من طرف واحد، لا بل انخرط في جهود لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق، وخاض في مناقشات تفصيلية بهذا الشأن مع قيادات سياسية بارزة تمثل المكونات كافة.
وبينما يعاين الأردنيون بقلق التطورات في العراق، يخشون من أن تنتقل العدوى لسورية المجاورة والمشتبكة ديمغرافيا مع الأردن على جميع المستويات. ولهذا بدت الدبلوماسية الأردنية في خطابها أكثر إلحاحا على مبدأ وحدة سورية أرضا وشعبا ورفضها التام لخيارات التقسيم والهيمنة الأجنبية.
رغم هذه الثوابت في الموقف، يبقى هناك ما يسبب بعض الحرج للأردن حيال إقليم كردستان. فلا يخفى على أحد ما يجمع الأردن بحكومة الإقليم وقياداته السياسية من علاقات تاريخية وثيقة، تعززت في السنوات الأخيرة على مختلف المستويات.
ومثلت الحرب الدولية والإقليمة ضد الجماعات الإرهابية فرصة لتعاون أمني وعسكري وثيق مع حكومة الإقليم في حربها الشجاعة ضد تنظيم داعش الإرهابي.
المسؤولون الأكراد وفي أكثر من مناسبة أشادوا بالدعم الأردني لجهودهم في الحرب ضد الإرهاب، وسبق ذلك تعاون اقتصادي وثيق ودخول “معتبر” لرجال الأعمال الأردنيين على خط الاستثمار في المدن الكردية.
لكن في هذه الأزمة المتدحرجة لا يملك الأردن من أدوات تأثير غير النصيحة كي لا ينزلق الموقف لحرب إقليمية كبرى لايعرف مداها. ومهما حاولت للحصول على تصريح رسمي من مسؤول أردني حول الموقف من استفتاء كردستان، فالأرجح أننا سنسمع كلاما دبلوماسيا حذرا لا يقطع شعرة مع أي من الأطراف.