تحل اليوم الذكرى الأولى لاستشهاد ناهض حتر. كان حدثا غير مسبوق في تاريخنا فتح أعيننا على الوحش الكامن في أحشاء مجتمعنا.
الإرهابي القاتل لقي القصاص العادل قبل أن تمر الذكرى الأولى لحادثة الاغتيال البشعة، لكن الحسرة والأسى على فقدان مثقف بحجم ناهض حتر لن يداويها الزمن.
يقينا أن مواقف وأفكار الراحل لم تكن محل إجماع عام، فهو مثقف إشكالي لم يسلم عقله للبديهات ولا السرديات الطاغية على حياتنا. ومن هم على شاكلة ناهض قلة في مجتمعنا، لكن بدونهم يصبح التنوع الذي نتغنى فيه بلا قيمة أو معنى.
كان ناهض تعبيرا أصيلا عن حق الاختلاف والجدل الذي يواجه اليوم وعلى امتداد عالمنا العربي تحديا غير مسبوق من أولئك الذين لا يحترمون حق الناس في الحياة فكيف بالمختلفين عنهم بالآراء والأفكار.
لم يقتل ناهض بسبب “بوست” أعاد نشره على صفحته، وشطبه بعد دقائق، واعتذر عنه لمن أساء فهمه، قتل لأنه يمثل الاختلاف المدان في قاموس التكفيريين والمستبدين. قتل لأجل سيرته في الاختلاف لا مواقفه السياسية من قضايا الساعة.
كل مثقف وسياسي عربي أو أردني معرض اليوم لمصير ناهض، بصرف النظر عن خلفيته؛ ماركسية كانت أم إسلامية. وما من مجتمع عربي وفَر يوما حصانة لمثقف أو مفكر، حتى لبنان بلد التنوع والاختلاف شهد اغتيالات بالعشرات لرموز الفكر والثقافة.
لكن ورغم إدراكنا لهذه الحقائق المؤلمة، واتفاق معظمنا على تقييم خطر التطرف الكامن بيننا، إلا أننا صدمنا في ذلك اليوم الحزين. كان رهاننا على قيم اجتماعية أصيلة لا يمكن لأي كان أن يدوس عليها بالقتل، غير أن ما حصل مع ناهض ومن بعد في عملية الكرك قطع الشك باليقين؛ بين ظهرانينا إرهابيون لن يتوانوا عن قتل أهلهم.
الرد الأمني والقضائي كان حاسما، فكل من تورط في عملية إرهابية تم تنفيذ حكم الإعدام فيه، ودون ذلك أحكام مشددة بالسجن.
لكن “عملية حتر” مختلفة إلى حد كبير، وكانت تتطلب استجابة رسمية وشعبية من نوع أخر، ليس على مستوى التحقيق بالحادثة وظروفها، إنما التعاطي مع نتائجها وتداعياتها، واستخلاص العبر منها.
لم أسمع حتى اليوم عن جائزة برابطة الكتاب تحمل اسم الشهيد ناهض حتر، وهو أحد رموزها، ولا عن شارع أو ميدان في عمان يحمل اسمه، عمان التي حملها في قلبه، وعد نفسه على الدوام “مواطنا عمانيا” مخلصا لها، ودافع عن تراثها بشجاعة، بينما يزين اسم “الشهيد” عبدالله عزام أحد شوارع عاصمتنا، كأنما حتر مات في حادث سير أو إرهابي لقي مصرعه في أفغانستان!
هذا التجاهل والإقصاء لذكرى ناهض مرده زيف ادعائنا باحترام الاختلاف في الرأي، وجبننا أمام تيار سائد يجَرم هذا الحق.
يحاكم بعضنا ناهض على مواقفه السياسية، ويتجاهلون عمدا إنتاجه الفكري والثقافي، وحفرياته العميقة في الهوية والوجدان الأردني، وجهد المثابر في إعلاء شأن المثقفين الأردنيين ونشر مؤلفاتهم.
بالمناسبة ناهض كان يكره السياسة، ويتمنى فراقها للتفرغ للكتابة الأدبية. في سنواته الأخيرة كان يحلم بكتابة مسرحية، لكن مسرح الأحداث من حولنا لم يترك له فرصة للاعتزال حتى جاء يوم الخامس والعشرين من أيلول، ليكتب الفصل الأخير من مسرحية الحياة.
لكن ورغم إدراكنا لهذه الحقائق المؤلمة، واتفاق معظمنا على تقييم خطر التطرف الكامن بيننا، إلا أننا صدمنا في ذلك اليوم الحزين. كان رهاننا على قيم اجتماعية أصيلة لا يمكن لأي كان أن يدوس عليها بالقتل، غير أن ما حصل مع ناهض ومن بعد في عملية الكرك قطع الشك باليقين؛ بين ظهرانينا إرهابيون لن يتوانوا عن قتل أهلهم.
الرد الأمني والقضائي كان حاسما، فكل من تورط في عملية إرهابية تم تنفيذ حكم الإعدام فيه، ودون ذلك أحكام مشددة بالسجن.
لكن “عملية حتر” مختلفة إلى حد كبير، وكانت تتطلب استجابة رسمية وشعبية من نوع أخر، ليس على مستوى التحقيق بالحادثة وظروفها، إنما التعاطي مع نتائجها وتداعياتها، واستخلاص العبر منها.
لم أسمع حتى اليوم عن جائزة برابطة الكتاب تحمل اسم الشهيد ناهض حتر، وهو أحد رموزها، ولا عن شارع أو ميدان في عمان يحمل اسمه، عمان التي حملها في قلبه، وعد نفسه على الدوام “مواطنا عمانيا” مخلصا لها، ودافع عن تراثها بشجاعة، بينما يزين اسم “الشهيد” عبدالله عزام أحد شوارع عاصمتنا، كأنما حتر مات في حادث سير أو إرهابي لقي مصرعه في أفغانستان!
هذا التجاهل والإقصاء لذكرى ناهض مرده زيف ادعائنا باحترام الاختلاف في الرأي، وجبننا أمام تيار سائد يجَرم هذا الحق.
يحاكم بعضنا ناهض على مواقفه السياسية، ويتجاهلون عمدا إنتاجه الفكري والثقافي، وحفرياته العميقة في الهوية والوجدان الأردني، وجهد المثابر في إعلاء شأن المثقفين الأردنيين ونشر مؤلفاتهم.
بالمناسبة ناهض كان يكره السياسة، ويتمنى فراقها للتفرغ للكتابة الأدبية. في سنواته الأخيرة كان يحلم بكتابة مسرحية، لكن مسرح الأحداث من حولنا لم يترك له فرصة للاعتزال حتى جاء يوم الخامس والعشرين من أيلول، ليكتب الفصل الأخير من مسرحية الحياة.