عروبة الإخباري – باشر الألمان، اليوم الأحد، الإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية يتوقع أن تمنح ميركل ولاية رابعة مستشارة لألمانيا، غير أنها قد تشهد اختراقا تاريخيا لليمين الشعبوي والقومي.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة 8,00 (6,00 ت غ) وحتى الساعة 18,00 (16,00 ت غ) أمام حوالى 61,5 مليون ناخب سيختارون نوابهم وفق نظام انتخابي يمزج ما بين الغالبية والنسبية، على أن تعطي استطلاعات الرأي فور إغلاق مراكز التصويت مؤشرات واضحة إلى تشكيلة المجلس المقبل، قبل بدء صدور النتائج تباعا خلال الليل.
وما لم تحصل مفاجاة هائلة تكذب ما أجمعت عليه كل استطلاعات الرأي حتى الآن، من المتوقع أن يفوز المحافظون بزعامة ميركل بنسبة تتراوح بين 34 و36%، متقدمين على الاشتراكيين الديموقراطيين بزعامة الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي مارتن شولتز (21 إلى 22%).
وبذلك يكون شولتز سجل أدنى نتيجة في تاريخ الحزب بعدما فشل في طرح نفسه كممثل للتغيير في وقت يشارك حزبه في حكومة ميركل منذ 2013. كما أن دعوته إلى المزيد من العدالة الاجتماعية لم تلق استجابة من الناخبين في بلد يشهد نموا قويا وبطالة في أدنى مستوياتها.
من جهتها، ركزت المستشارة حملتها الانتخابية على موضوع الاستمرارية لبلد مزدهر، في رسالة تهدف إلى الطمأنة في وجه الأزمات التي تهز العالم ولا سيما مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
غير أن هذا الفوز لا يعني أن محافظي الاتحاد المسيحي الديموقراطي وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي يتجهون نحو شيك على بياض، بل تتوقع استطلاعات الرأي أن تكون نتائجهم قريبة من أدنى مستويات سجلوها في 1998 (35,1%) و2009 (33,8%).
أما الراديكاليين من الطرفين، فقد يفوزون في نهاية المطاف بربع الناخبين ما بين “دي لينكي” اليساري و”البديل لألمانيا” اليميني.
ويستعد قوميو “البديل لألمانيا” بصورة خاصة لـ”معجزة زرقاء” بلون الحزب، مترقبين دخولهم بقوة إلى مجلس النواب مع تحقيق نتيجة غير مسبوقة لمثل هذا التشكيل اليميني المتطرف منذ 1945.
وتمنح استطلاعات الرأي هذا الحزب ما بين 11 و13% من نوايا الأصوات، ما يضعه في المرتبة الثالثة متقدما على اليسار الراديكالي والليبراليين والخضر، بعدما فشل ففي 2013 في بلوغ عتبة 5% المطلوبة للفوز بمقاعد نيابية.
واستمر “البديل لألمانيا” المعادي للإسلام والنخب وأوروبا والهجرة، طوال الحملة الانتخابية في تشديد خطابه، معلنا على سبيل المثال أن “ألمانيا تحولت إلى ملاذ للمجرمين والإرهابيين من العالم بأسره” أو مدافعا عن الحق في الاعتزاز بالجنود الألمان في الحربين العالميتين.
ويتهم القوميون ميركل بـ”الخيانة” لفتحها أبواب البلاد عام 2015 أمام مئات الآلاف من طالبي اللجوء وغالبيتهم من المسلمين، واستقبلت المستشارة البالغة من العمر 62 عاما بانتظام بالتنديد من قبل مثيري بلبلة خلال تجمعاتها الانتخابية.
وهذا الاختراق لليمين المتطرف الذي يحظى بشعبية كبيرة خصوصا في المانيا الشرقية سابقا، سيكون له وقع زلزال في بلد تقوم هويته ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى حد بعيد على التوبة عن النازية ونبذ التطرف.
وقال يورغ فوربريغ من معهد “جيرمان مارشال فاند” للدراسات إن “دخول البديل لألمانيا إلى مجلس النواب يشكل منعطفا تاريخيا كبيرا لليمين المتطرف”.
وهو يعتبر أن فوز العديد من نواب حزب “كاره للأجانب ومنكر لمحرقة اليهود ومعاد لأوروبا” يشكل “أكبر اختبار صمود واجهته الديموقراطية الالمانية حتى الآن”.
من جهته رأى هارالد (66 عاما) الذي يعمل حارسا امنيا لدى عودته من عمله في فرانكفورت (غرب) “إذا دخلوا المعارضة، لن يقوموا بشيء يذكر”، وهو لا يزال مترددا بين الحزب الاشتراكي الديموقراطي والحزب الديموقراطي الحر.
لكن هذا لن يكون التحدي الوحيد الذي ستواجهه ميركل، فهي قد تضطر إلى خوض مفاوضات صعبة ومعقدة سعيا لتشكيل غالبية حاكمة.
والخيار الأبسط نظريا يقوم على الاستمرار في “الائتلاف الكبير” مع الاشتراكيين الديموقراطيين، ما يضمن الاستمرارية في السياسة الألمانية.
غير أن الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يشهد أزمة وجودية قد يختار هذه المرة الانتقال إلى المعارضة لاستعادة زخمه.
عندها يبقى أمام المستشارة بحسب استطلاعات الرأي خيار واحد هو التحالف مع الحزب الاجتماعي الديموقراطي والخضر، غير أنه سيكون من الصعب للغاية التوفيق بين الليبراليين وأنصار البيئة المختلفين حول الكثير من المواضيع مثل مستقبل الديزل والهجرة.
وستكون لتشكيلة الائتلاف المقبل أهمية كبرى لسلسلة من المواضيع الملحة على الساحة الأوروبية مثل إصلاح منطقة اليورو ومفاوضات بريكست، كما على المستوى الدولي مثل مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلسي في عهد ترامب والعقوبات المفروضة على روسيا.