أعلنت قيادة حركة حماس في قطاع غزة ما يمكن وصفها بخطوات تحفيزية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتجاوز حالة الانقسام المؤذية للفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
“حماس” أعلنت وبعد جولات من الحوار في القاهرة عن حل لجنة إدارة القطاع ووضع غزة تحت تصرف حكومة الوفاق الفلسطيني في رام الله، على أن تكون هذه الخطوات مقدمة لإجراء انتخابات تشريعية في عموم دولة فلسطين.
خطوات حركة حماس بدا وكأنها مفاجِئة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية التي رحبت بها بحذر بداية ثم أقرّت لاحقا بجديتها، واستعداد حكومة الوفاق لتولي مسؤولياتها في إدارة القطاع فورا.
بالطبع هناك العديد من القضايا الشائكة والعالقة بين الطرفين، تحتاج لتسويات تفصيلية قبل أن تدخل عملية المصالحة مراحلها التنفيذية. والموضوع الأكثر حساسية في هذا الشأن هو دمج موظفي قطاع غزة بالقطاع الحكومي، وإعلان موقف نهائي وقاطع حيال مسألة الانتخابات التشريعية والرئاسية.
لكن الظروف والملابسات التي أحاطت بخطوات حماس الانفتاحية، والرعاية المصرية لها تفتح الباب للتساؤل عما إذا كانت المصالحة المطروحة تعبيرا عن إرادة وطنية فلسطينية أم استحقاق لتفاهمات مع مصر فرضتها ظروف القطاع الإنسانية والحصار المفروض عليه من كل الأطراف.
حماس أقدمت على خطواتها كما هو ظاهر في سياق العلاقة مع مصر وليس نتيجة لحوارات فلسطينية داخلية كانت قد بدأت منذ زمن وتوقفت من بعد. وجاءت هذه التطورات في وقت انتقلت فيه قيادة الحركة لقيادي من أبناء قطاع غزة “إسماعيل هنية” يرتبط تاريخيا بعلاقات قوية مع مصر.
معلوم أن القاهرة تريد تأمين ظهرها على الحدود مع قطاع غزة، وتسعى جاهدة لضرب أي عمق يمكن أن تستند إليه الجماعات الإرهابية في سيناء، وطالما اتهم النظام المصري جماعات متشددة في القطاع بالتورط في دعم الإرهابيين في سيناء وتأمين ملاذ آمن لعناصرها.
مثل هذه الاتهامات نفتها حماس مرارا وتكرارا، لكنها ظلت وسيلة ضغط على الغزاويين وكان لا بد من خطوات لإثبات حسن النوايا مع القاهرة، ليتسنى لأهل القطاع نيل هامش من حرية التنقل والحركة عبر المعبر مع مصر.
كما أن الرعاية المصرية للمصالحة تثير شكوك ومخاوف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فما سبقها من تفاهمات غير مسبوقة مع حماس سمحت لخصمه اللدود محمد دحلان باستعادة نفوذه في قطاع غزة، وربما التسلل لاحقا لرام الله لمنافسة عباس في عقر داره.
والرئيس عباس لم يكن في الأصل على وفاق مع النظام المصري، بسبب علاقات الأخير الحميمة مع دحلان ودعمه العلني ليكون خليفة له في رئاسة السلطة.
مؤخرا وجد عباس نفسه مضطرا للتعامل مع القاهرة، لكنه غير سعيد على الإطلاق بدورها في المصالحة.
حماس تدرك هذه الحقائق، لكنها وإن كانت لا تكن الود لدحلان، إلا أنها غير معنية بمد يد المساعدة لمحمود عباس، ومايعنيها بالدرجة الأولى التخلص من عبء إدارة القطاع بكل ظروفه الصعبة، وتأمين منفذ للقطاع على العالم الخارجي
إزاء تلك المعطيات لايمكن للمرء أن يجزم بأن طريق المصالحة ممهدة أمام الفلسطينيين، فالظروف التي ولدت فيها ملتبسة ويحاصرها السؤال المركزي، هل هي مولود فلسطيني أصيل أم مخلوق هجين تم تصنيعه في القاهرة؟