تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي رسالة مؤلمة معبّرة من أحد معلّمي وزارة التربية والتعليم قدّم استقالته من الوزارة لشعوره بعدم جدوى التعليم الحكومي ووصفه بأنّه غير صالح للعمل، مقدّماً تحليلاً عميقاً ذكياً لواقع العملية التعليمية اليوم.
في الأثناء تتكرّر الأخبار التي نقرأها في الصحف اليومية عن احتجاجات واعتصامات من قبل أهالٍ وطلاب على الحالة المتردية للبنية التحتية في كثير من المدارس، بخاصة المحافظات، بل عدم أهلية بعض تلك المدارس أصلاً للتدريس.
على أيّ حال يمكن أن نتفهم تماماً نقد المعلّم المستقيل والاحتجاجات الأهلية، وهي تعكس حجم الفجوة بين واقع التعليم وضعف الإمكانيات المالية ومحدودية البنية التحتية وتراجع قيمة المعلّم وعدم أهلية أو كفاءة نسبة كبيرة من المعلّمين.. الخ، فهي لم تعدّ سرّاً أو أمراً يمكن إخفاؤه أو تجاهله وإنكاره!
وربما لو استرسلنا بالشكوى والتذمّر والتمادي في حالة الإحباط وخيبة الأمل من هذا الواقع لوجدنا أنفسنا أمام جبال شاهقة من الأوراق التي تصف هذه الحالة، بما في ذلك اليوم حالة الاكتظاظ غير المعقول في كثير من الغرف الصفيّة الحكومية، بما يصل إلى 50 طالباً في الصف في بعض المدارس، وهي حالة لا يمكن أن توفّر الحدّ الأدنى من البيئة الصفية المناسبة للعملية التعليمية.
في ضوء هذه الحقائق والوقائع والتوافق بيننا على ما آلت إليه الأمور، ما العمل؟! إذا كنّا ننتظر من الدولة أن توفّر موارد مالية إضافية كبيرة لإنقاذ وانتشال حالة التعليم الحكومي، عبر تأهيل البنية التحتية وتطويرها، وتحسين ظروف المعلّمين وزيادة رواتبهم، وتطوير برامج متكاملة لهذه الغاية، فإنّ هذا الانتظار أشبه بحلم غير ممكن التحقق على المدى القريب، لأنّ الدولة اليوم في ظل الأزمة المالية الحالية، لا تكاد تؤمّن الرواتب الحالية للموظفين في آخر كل شهر، وموازنة التربية والتعليم في أغلبها تذهب لرواتب المعلمين، ولا توجد مخصصات حقيقية للمدارس.
ذلك لا يعني الاستسلام لحالة اليأس والإحباط، بل علينا العمل على أكثر من صعيد، وقد كان وزير التربية والتعليم واضحاً عندما قال بأنّ الإصلاح ليس كبسة زر ونجد أنفسنا أمام واقع مغاير، بل هو عملية متدرّجة شاقة وصعبة، ويزيد كثيراً من صعوبتها عدم توافر الموارد المالية اللازمة.
مع ذلك، فإنّ الخبر الجيّد هو أنّنا تجاوزنا حالة الإنكار المعروفة التي كانت تحكم العقلية الرسمية تجاه التربية والتعليم، ولدينا اليوم وزير إصلاحي، صاحب عقلية منهجية منظمة، يؤمن بأهمية الإصلاح وضرورته، وأصبح التعليم على طاولة الدولة تتبنّاه الملكة وتدفع به إلى أولويات الحكومة، ولدينا مؤسسات جديدة تحاول القيام بخطوات إصلاحية مهمة، مثل أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين وكذلك الحال المجلس الأعلى للمناهج.
في نهاية اليوم بدأت عملية إصلاح التعليم وهي متعددة الأبعاد تتناول مفهوم التربية والتعليم نفسه، ومفهوم العلم وأدواته ووسائله (أي المناهج)، كما تتناول تدريب المعلمين وتأهيلهم، وتحسين ظروفهم وتطوير البنية التحتية (وهذه الموارد المالية)، وهي نقطة الضعف الكبيرة، لكنّ ذلك لا ينفي أنّ هنالك جانبين يمكن البدء بهما وتطويرهما إلى حين ميسرة!
اللغة التي كتب بها المعلم رسالته تنمّ عن وعي وإحساس بالمسؤولية، ونحن بحاجة إلى هذه النوعية، لكننا أيضاً نريد نَفَساً أطول في عملية الإصلاح، لذلك أدعوه لعدم الاستقالة وإلى الاستمرار في النضال للقيام بهذه المهمة المقدسة.