تحاول الحكومة جاهدة احتواء موجة الغضب على التعديلات المقترحة لقانون ضريبة الدخل. في البداية بدا وكأن الفريق الوزاري قد فوجئ بالتسريبات، ولهذا مبرره فالتعديلات كما تبين لاحقا لم تعرض بعد على لجان المجلس ولم يناقشها بطبيعة الحال مجلس الوزراء.
بالنتيجة كانت ردود الفعل الشعبية على”المقترحات” أسرع بكثير من تحرك الحكومة، وتفاعلت النقاشات في الأوساط العامة على نحو أثار قلق مؤسسات الدولة من مآلاته المستقبلية.
كان وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني، اللاعب الوحيد من الفريق الحكومي الذي تحرك لتهدئة الشارع بتصريحات تخفف من وطأة التوقعات حيال التعديلات المقترحة، لكن المومني كان بحاجة لإسناد سريع من”أجنحة” الحكومة الاقتصادية، بيد أنه ظل ولفترة يلعب منفردا دون أن يجد وزيرا يمرر له “المايكرفون”.
بالأمس تحرك رئيس الوزراء هاني الملقي، مستغلا دعوة منتدى الاستراتيجيات الأردني لحوار حول السياسات الضريبية في الأردن. أدلى الرئيس بتصريحات مهمة خلال اللقاء، وبعث برسائل تطمين للطبقة الوسطى، ووعد بأن لاتمسّ أية تعديلات مستقبلية الشرائح الأقل دخلا والطبقة والوسطى، مثلما تعهد بإجراءات أكثر حزما لمكافحة التهرب الضريبي.
وكان اللقاء مناسبة لعرض مقترحات عملية من جانب خبراء المنتدى تساهم في تحريك النمو الاقتصادي دون زيادة الاعباء الضريبية على المواطنين، وأبدى رئيس الوزراء انفتاحا كاملا على كل ماهو متاح من بدائل تجنب المواطنين المرهقين مزيدا من الضرائب.
الأيام الماضية على ما تخللها من توتر اجتماعي وغضب شعبي من توجهات الحكومة، إلا أنها كانت مناسبة لمبادرات بناءة من جانب خبراء ومختصين لتقديم تصورات بديلة ومقترحات واقعية يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف الموازنة بأقل قدر ممكن من الضرائب.
نعلم أن الحكومة تعمل تحت ضغط الوقت، فبعد أيام قليلة سيحضر إلى عمان وفد صندوق النقد الدولي، ويتعين على الفريق الاقتصادي أن يحسم خياراته ويتوصل لاتفاق حول ما ينبغي اتخاذه من خطوات للوفاء بالاتفاقية الموقعة مع إدارة الصندوق.
يستدعي هذا الوضع التحرك بسرعة لبلورة سلة مقترحات بديلة تضمن أولا تحقيق نسبة النمو المستهدفة في العام المقبل، وتخفيض المديونية حسب الخطة المقررة، إضافة لضبط العجز.
لاشك أن ما تمخض عنه النقاش الوطني” الساخن” يوفر أرضية معقولة لبناء حزمة جديدة من الأفكار العملية. إلى جانب ذلك لابد من الضغط على إدارة الصندوق لإبداء المرونة المطلوبة. وفي هذا الصدد يمكن أن نعول على الزيارة المرتقبة لمسؤولين كبار لواشنطن قبل نهاية الشهر الحالي، لضمان دعم الإدارة الاميركية لمقترح أردني بتعديل الاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد.
المهم بالنسبة لكل الأطراف حاليا مواصلة الاشتباك الإيجابي مع الرأي العام وأصحاب الخبرة، واستغلال كل الفرص المتاحة للحؤول دون فرض ضرائب جديدة على المواطنين، واتخاذ خطوات شجاعة وغير مسبوقة في مجال التهرب الضريبي.
كان للنقاش العام حول حزمة الإصلاحات المقترحة في وقت مبكر من السنة أن يجنبنا اللهاث في الوقت بدل الضائع لتعديل النتيجة.