عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- هناك مسافة وإن اقتربت كثيراً ما بين موقف الرئيس السابق في اليمن علي عبدالله صالح وبين القيادة الحوثية التي تحكم صنعاء الآن، وهذه المسافة تحاول قوى عديدة تعيد قراءة الرئيس السابق صالح أن تحركها باتجاه الابتعاد عن الحوثيين وفصل العلاقة بينهما ..
يدرك الرئيس صالح أن للحوثيين قبضة قوية في الشارع اليمني وأنهم موجودون ليس بفضل إيران وإنما بفضل الشارع اليمني وقدرتهم على حشد قواهم ضمن مفهوم المظلومية ببعده السياسي والإجتماعي وحتى المذهبي (الزيدية) التي ينتمي لها صالح ظلت تحكم اليمن وتحميه وظلت قادرة على ان تكون الجامع المشترك الاعظم فقد كانت أقل تطرفاً وإندفاعاً باتجاه الاسلام السياسي من حزب الإصلاح في تعبيراته اليمينية التي مثلها آل الأحمر فترة من الزمن وحيث كانت البصمات السعودية واضحة …
“الزيدية” معتدلة وقدمت قيادات وسياسات وحدوية وعربية مرموقة وحين كان يجري جر اليمن باتجاه حزب الاصلاح في جناحه اليمني مع الاخوان المسلمين .. كان المعسكر الآخر في الاسلام المذهبي في اليمن يجد أن هناك من يعمل على سحب البساط من تحت أقدامه .. ولذا عبر الحوثيون من خلال تركيبتهم المذهبية عن مخاوفهم فهم ليسوا فئة واحدة في إطارهم العريض .. ولذا خاضوا مواقف تبعدهم عن المصادرة والالغاء حتى سقط حكم الرئيس صالح ليلتقوا معه في البعد المعتدل من الإسلام المعروف في اليمن ..
لم يكن أمام خصوم الرئيس صالح في البعد السياسي إلا أن يتهم بانحيازه للحوثيين وقد فعل ذلك حين قلبت له القوى الأخرى الطاولة التي كان يجلس عليها واختارت رئيساً مرجعيته في الرياض !!
وبعيداً عن مضامين الربيع اليمني الذي خلط الأوراق اليمنية على هذه الشاكلة المعقدة فإن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يُقرأ في السياق الوطني اليمني قراءة بعيدة عن التجاذب السريع الذي فرضته قوى خارجية استهدفت استقرار اليمن عن طريق قوى إقليمية.
ومن هنا ايضاً فإن علي عبدالله صالح جرى إبعاده ضمن مفهوم التغيير بمواصفات الربيع العربي حتى إذا ما تم ذلك وجد الذين حاولوا الاستفادة من التغيير أن جذور صالح أبعد وأعمق في اليمن وأنه يمتلك أوراقاً عديدة لم تسقط بهبوب رياح الربيع العربي لأنها كانت ترتبط بتمثيل الشرائح السياسية والإجتماعية والإقتصادية وحتى المذهبية اليمنية وحين فقد صالح الورقة السياسية التي أوصلته الرئاسة ظل يحتفظ بالأوراق الأخرى التي أبقته في الحزب والتي أستأنف منها تمثيل الطيف الذي يمثله صمود صالح وبقائه وقدرته على عقد تحالفات مع القوى المسيطرة في اليمن (الحوثيون) لم يأت لأن لدى صالح أموالاً فقط أو أسلحة أو رضى في أوساط الجيش أو أنه كان قادراً على الشراء .. قد تكون كل هذه العوامل ولكن بنسب متفاوتة … ولكن البقاء سببه خبرة صالح في اليمن وقدرته على تمثيل العصب الأساسي للقوى المختلفة التي لا تتطابق مع الحوثين ولكنها لا تذهب بعيداً في معاداتهم طالما كانت هناك قوى أخرى متربصة خارج الحدود ولها امتدادات في الإسلام السياسي السني …
دفعت قوى إقليمية صالح إلى حضن الحوثيين وأعطت الحوثيين مبررات الإندفاع باتجاه إيران وهذه عوامل وفرتها قوى أرادت أن تكون اليمن في تبعية آخرى وفي موقع آخر ..
الحالة اليمنية لا تستقر بالحسم النهائي وإنما بالمصالحات والحوار والتفاهمات وهو السياق الذي جرى القفز عنه باحتلال صنعاء واستساغة الحسم من أطراف الصراع ..
علي عبدالله صالح الآن ضد الحسم العسكري ومع أنه حدد موقفه إلى جانب حلفائه الحوثيين فقد كان ذلك من باب أبغض الحلال لأن القوى الأخرى طلقته وعملت ضد استمرار وجوده ليس كرئيس لليمن وإنما كيمني وحزبي وصاحب دور أو نفوذ في الشارع اليمني.
لم يستسلم صالح ولم يخرج ليتمتع بما قيل انها أموال لديه ولم يقبل صفقات التخلي .. بل استمر وسط إشتراطات قاسية قد يكون أهونها التحالف مع الحوثيين مقابل عروض النفي الأخرى.
أستفاد صالح من الحوثيين وان مرحلياً كما استفادوا منه لاسناد شرعيتهم والتعريف بهم في الشارع السياسي اليمني فقد ظلوا تاريخياً كمّاَ إجتماعياً أكثر منه سياساً .. وهذا التحالف الحوثي مع صالح صنع شكلاً من أشكال الردع في الحفاظ على مسافة وإن ضيقة بينهما وفي نفس الوقت أسس لتحالف مصالح ستكون مهددة من خارج اليمن ..
فصالح يدرك أن الحوثيين ليسوا إيران وان تحالفوا معها ويدرك أن اليمن ليست السعودية وان فرضت قيادتها ويدرك أن الطرفين ابتعدا عن نقطة الوسط التي ظل يعتقد أنه هو من بقي فيها وان تغيرت راياته لضرورات الاستمرار.
هل يستمر تحالف صالح مع الحوثيين؟ … الجواب ببساطة نعم طالما ظل التحالف العربي يقصف اليمن ولا يجد طريقاً للحوار.
ليس صعباً فك الإرتباط بين صالح والحوثيين لكن صالح لا يريد أن يفك هذا التحالف بالغدر من أي طرف أو بالقفز إلى المجهول ولكن يمكن فك هذا التحالف إذا ما فقد مبرراته وعندها لن يستمر صالح في خندق الحوثيين ولن يستمروا في التعامل معه كوجه يخاطبون به الشارع اليمني كله بل سيعود كل إلى ما كان عليه بداية ..
ما أسماه صالح الطابور الخامس الذي حاول بإشاعته أن يقدمه كمنقلب على تحالفه مع الحوثيين والترويج لذلك هي إشاعة أفادته في إعادة تأكيد دوره وفي أن خروجه من تحالفه يعني الكثير ولذلك فإن فصل علاقة صالح مع الحوثيين لا تتم كما يتم إلتحاق كتيبة من الجيش من هذا الخندق الى ذلك وإنما إذا فهمت الأطراف المتصارعة في اليمن أنها لا تستطيع أن تجعله في خندقها أو تقسمه وإنما عليها أن تتركه لأهله يتدبرون أمورهم وعندها سيكون صالح مستقلاً وسيكون اليمن قادراً على استئناف رحلته باتجاه إعادة الوحدة والبناء في الاعمار ..
الذين ذهبوا باليمن إلى إيران أو إلى الرياض لن يتمكنوا من إنجاز مشاريعهم حتى وأن بدا ذلك ممكناً فاليمن أكثر أستعصاء من هذه الخيارات وهذا التوزيع ولذا فإن صالح سيظل رقماً صعباً في المعادلة ليس فقط كشخص وإنما لما يمثل لأنه لا يريد أن تؤخذ اليمن إلى إيران (وان شارك الحوثيون باعتبار الشراكة ضمانه لبقائه ومنعاً لاندفاع الحوثيين باتجاه الاقليم) كما أن صالح لا يريد أن تؤخذ اليمن من خلال القيادة المدعومة إلى الرياض لان هذا لم ينجح حتى الآن بسبب أن الهدف منه هو استعمال القوة والسلاح واليمن تاريخياً لا يقبل ذلك .. ولان الحرب على اليمنين تستفزهم باتجاه المواجهة لا الخضوع كما يقول التاريخ ..
اعتقد أنه لو فتحت النوافذ للرئيس السابق صالح إلى درجة يجد فيها حلفاؤه ساحات أوسع لبقاء مصالحهم فإنه سيكون قادراً أن يُسّوق على حلفائه أي طرح سياسي جديد وبالتالي الخروج باليمن من الخنادق المتقابلة إلى إعادة اللحمة والشروع في ترميم ما حطمته التدخلات ..
النباتات اليمنية لا تعيش في أوعية منقولة وهي ليست نباتات للزينة حتى تزرع في الأصص أو الشرفات وهي لا تنمو إلا في التراب اليمني ولا تسقى إلى بماء اليمن وقد جرى تجريب ذلك في الماضي حتى لم يستطع أحد أن يحكم اليمن من خارجه والدرس اليوم يتكرر فاليمن لم يكن تابعاً وحين أرادوه تابعاً وجدوه مقاتلاً ..
الحوار يمكن أن يبدأ مع صالح وهناك من يرى ذلك حتى أولئك الذين أسقطوه من الرئاسة فإذا ما بدأ الحوار معه وأعطي أوراقاً قابلة للتسويق عند حلفائه فإن الأزمة تنتهي وخلاف ذلك فإن الرحى اليمنية ستظل تدور وتطحن الكثير وسيظل سراب الإنتصارات الذي يبدو لأي طرف لا يحمل جديد سوى المزيد من النزف الذي سيغرق كل الأطراف ..
لا مصلحة للقوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة في وقف الحرب في اليمن لأن ذلك يعني الكثير ويعني أن الشرح سيطول في الأجابة على ذلك فالمشكلة اليمنية ورقة إبتزاز مالية وسياسية واستراتيجية تدفع ثمنها الاطراف المتداخلة وهي ورقة استفادت منها الولايات المتحدة وستبقى إلى أن تدرك أدوات الحرب أو وكلاء الحرب في اليمن أنها تركض وراء سراب ..