إطلاق الرصاص في الأفراح والأعراس مخالف للقانون، لكنها مخالفة تسقط في الحيز الاجتماعي، ولا يمكن تحميلها دلالات أكبر، مثلها مثل مخالفة المرور، مع الإقرار بخطورتها على أرواح الناس، وما سجل في السنوات الأخيرة من حوادث مؤسفة يؤكد صحة تجريمها في القانون ومحاربتها بالتوعية والتثقيف.
لكن ما تناقله الناس من فيديوهات لاحتفالات مرشحين وأنصارهم فازوا في الانتخابات الأخيرة، لا يمكن تصنيفه في باب مخالفة القانون فقط، ففي ذلك تسطيح وتبسيط يصرف الأنظار عن رؤية الجانب المظلم والخطير من الظاهرة.
لا المناسبة ولا أبطالها يحتملون هذا التصنيف القاصر عن معاينة الحقيقة. صحيح أننا درجنا في الخطاب الرسمي على تسمية الانتخابات بالعرس الديمقراطي، وربما دفع ذلك بعامة المحتفلين إلى محاكاة طقوس الأعراس في الانتخابات، لكن الانتخابات تبقى بالرغم من هذا التوصيف المسيء حدثا وطنيا وسياسيا، وأبطاله هم الذين ستوكل إليهم مهمة تطبيق القانون في نطاق علمهم؛ رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية ومحلية.
شاهدنا فائزين يرقصون بالكلاشنكوف، ورؤساء بلديات يحتفلون وسط أنصارهم والرصاص يتطاير من فوق رؤوسهم. رئيس بلدية معتبرة يرفع الرشاش بيده ويطلق الرصاص في كل الاتجاهات، يبتسم للتصوير ويفاخر متحديا الجميع.
ليست مخالفة للقانون كما أسلفت، بل تحد سافر لهيبة الدولة وسلطتها، وتعبير صارخ مع سبق الإصرار لسلطة القانون. وفي ذلك قناعة مستقرة أن ما من أحد يجرؤ على محاسبته أو محاسبة أنصاره من حملة الرشاشات والأسلحة الخفيفة.
سلوك يحمل في طياته شعور قوى اجتماعية ونافذين في أوساطها بأنهم خارج سلطة الدولة، حتى أن فوزهم في الانتخابات وتوليهم مناصب عامة في مؤسسات تتبع الدولة حكما يتحول بحد ذاته مناسبة للتعبير عن تمردهم واستخفافهم بقوانينها.
لقد راكمت هذه المجاميع الاجتماعية تجارب وخبرات أحداث وحوادث تجعلها متأكدة من أن سلطة القانون لن تطالها، وبأن مؤسسات الدولة أضعف من أن تقف في وجه نفوذها وسطوتها وسلطتها الاجتماعية.
لم يتجرأ مسؤول واحد على التعليق على ما تداوله آلاف الأردنيين من مشاهد يتحدى فيها هؤلاء سلطة القانون. صغرت أكتافهم إلى الحد الذي لا يستطيعون معه حتى إظهار استنكارهم لهذه الممارسات وإدانتها، فكيف إذا ما تطلب الأمر تفعيل القانون والقبض على المخالفين؟!
خطورة تلك المشاهد أنها تشجع سواهم من الأشخاص والقوى الاجتماعية على انتهاك سلطة القانون في شتى المجالات دون حساب للعواقب. وعندما يتعلق الأمر بمخالفة من وزن حمل السلاح واستخدامه على هذا النحو الاستعراضي، لا يعود مستغربا أن نرى محاكاة أشد خطورة لهذا النموذج يتطاول فيها السلاح على أمن واستقرار البلد وسلاح الدولة صاحبة الحق الحصري في استخدامه، ويوظف في مسارات أخرى لا نعرف مدياتها.
لقد شهدنا العشرات من الشبان يستعرضون ببنادقهم أمام كاميرات الهواتف غير مكترثين بنشر صورهم، وواثقين كل الثقة أن سلطة العشيرة فوق سلطة القانون، وتعبيرها الأسمى فوز في الانتخابات يمنحهم حقا استثنائيا ليس للدولة فيه شأن.