كما في كل جولة انتخابية تحلّ عمان والزرقاء في المرتبة الأخيرة من حيث نسبة الاقتراع. حتى الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم أمس كانت نسبة الاقتراع في عمان 7 % وفي الزرقاء 8 %.
في الانتخابات النيابية لم تزد نسبة الاقتراع في دوائر عمان على 20 %. كان هذا هو الحال منذ عودة الحياة البرلمانية للبلاد، ولم تسجل فروق جوهرية بنسب الاقتراع بين الانتخابات التي جرت وفق قانون 89 متعدد الأصوات أو نظام الصوت الواحد الذي هيمن لعدة دورات انتخابية. وبعد اعتماد نظام القائمة النسبية بقي الوضع على حاله.
كما لم تتأثر نسبة الاقتراع بمشاركة أو مقاطعة قوى سياسية ذات قاعدة انتخابية عريضة كحزب جبهة العمل الإسلامي، إلا بالقدر القليل.
ورغم الزيادة الحاصلة في حصص دوائر عمان من المقاعد، إلا أن ذلك لم ينعكس على معدلات الإقبال في الانتخابات.
وإذا افترضنا أن قانون الانتخاب ينتقص من حقوق الناخبين في عمان والزرقاء مقارنة مع دوائر أخرى، فإن قانوني البلديات واللامركزية يساويان بين الجميع ويمنحان الناخبين في كل المحافظات حقوقا متساوية، باستثناء حق انتخاب الأمين “رئيس البلدية”. رغم ذلك تبقى نسب الاقتراع متدنية مقارنة مع المحافظات.
أمس طرح الزميل الدكتور محمد أبو رمان في مقاله أسئلة “صعبة” حول”عزوف العمانيين” عن المشاركة في الانتخابات.
الأكيد أن منح العمانيين حق انتخاب “العمدة” سيمنح الانتخابات زخما كبيرا في العاصمة، ويرفع من وتيرة المنافسة، ويكسبها “ربما” طابعا سياسيا. لكنني أستطيع ان أراهن منذ الآن أن هذه الخطوة على أهميتها لن تحسّن نسب الاقتراع بشكل كبير، وستبقى تحوم عند معدلاتها الحالية.
ولنا في الزرقاء مثال، فللناخبين هناك حق انتخاب رئيس البلدية ومع ذلك لا نشهد إقبالا على المشاركة.
وفي حالة البلديات والأمانة لا أعتقد أن العزوف يرتبط بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، فمهما كانت ملاحظات العمانيين على خدمات الأمانة، فإن مستواها يظل متقدما على ما تعرضه البلديات في السلط أو الكرك ومعان.
الأسئلة بهذا الخصوص صعبة كما قال الصديق أبو رمان، لكنها موضوعية في ذات الوقت، وينبغي النظر إليها في سياق تاريخي وسياسي، لتفكيك وتحليل سلوك واتجاهات كتلة اجتماعية ضخمة، لايمكن لأحد أن يشكك بوطنيتها أو انتمائها، لكنها كتلة تأسس وعيها على مفاهيم متشابكة بفعل ظروف تاريخية معقدة، دُرج على وصفها بإشكالية المواطنة في الأردن، وعلاقة المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني بالدولة.
هل العزوف عن المشاركة هو فعل موجّه ضد الدولة، يعود في جذوره إلى سردية تاريخية مستقرة في العقل الباطن لجمهور يرى نفسه خارج كيان الدولة ومؤسساتها، أم فعل احتجاج على ما يصنف بمظلمة الحقوق والواجبات التي تبرز كلما دار نقاش حول مواضيع مثل القبول الجامعي والمكرمات، والوظائف في الدولة خاصة في السلك العسكري والأمني؟
ولماذا نذهب بعيدا في أسئلة غير مبررة، لماذا نصف الأمر أساسا بالإشكالي، وما الذي يمنع التعامل معه كوضع طبيعي يعود لارتباط هذه الكتلة الاجتماعية وجدانيا ووطنيا بحقها التاريخي في العودة وتقرير المصير على أرض فلسطين التاريخية. حق يتفوق على سواها من الحقوق والالتزامات.
كما تلاحظون رجعت للمربع الاول؛ مربع الأسئلة الصعبة دون إجابات شافية وجريئة والذي انتهى إليه الزميل أبورمان وكثيرون قبله.