مايزال ملايين السوريين اللاجئين يحملون أملا بالعودة إلى بلادهم رغم الكارثة الإنسانية التي حلت بهم والحرب المستعرة هناك.
في استطلاع رأي لمؤسسة “أصداء بيرسون مارستيلر” القائمة على برنامج “صوت اللاجئين السوريين الشباب” ونشرت “الغد” ملخصا له أمس، يعتقد نصف أفراد العينة المستطلعة من اللاجئين الشباب في الأردن ولبنان، أن عودتهم محتملة جدا لبلادهم في حال انتهاء الحرب ودحر تنظيم داعش الإرهابي.
بالطبع النصف الثاني غير متيقن من هذا الاحتمال ويفضل الهجرة إلى بلد ثالث، وعلى رأس القائمة كندا تليها الولايات المتحدة.
النتيجة الملفتة في الاستطلاع هي أن الأغلبية من الشباب “71 %” لايعتبرون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد شرطا للعودة لبلادهم أو التوصل لاتفاق سلام مقابل 27 %.
تعني هذه النتيجة أن أغلبية السوريين كانوا ضحية لصراع يتعارض ومصالحهم الأساسية في الاستقرار والأمن في بلادهم بصرف النظر عن هوية الحكم أو موقفهم منه.
وتؤكد في ذات الوقت أن الأفكار المطروحة لتسوية الأزمة السورية مع بقاء النظام الحالي تلقى تجاوبا من قطاعات واسعة من اللاجئين، بخلاف الانطباعات الدارجة والتصنيف السائد للاجئين بوصفهم من القاعدة الطائفية والاجتماعية المعارضة للنظام.
ويمكن قراءة نتائج الاستطلاع في سياق يتفق مع تطلعات الدول المستضيفة، الأردن ولبنان تحديدا بتسريع عودة اللاجئين إلى ديارهم لتخفيف الأعباء الثقيلة على اقتصاد البلدين والبنية التحتية.
إن عودة ما يقارب النصف مليون لاجئ سوري في الأردن، يعني الكثير لبلد يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وشح بالمياه والموارد الأساسية.
لكن وعلى الجانب الآخر لايمكن للمرء أن يتجاهل النتائج الكارثية للصراع، والمتمثلة برغبة أعداد هائلة من السوريين بعدم العودة لبلادهم نهائيا، والاختيار الطوعي للاندماج في مجتمعات أجنبية. والحديث هنا عن فئة الشباب تحديدا التي تشكل العمود الفقري لنهضة المجتمعات.
لقد حصدت الحرب الطاحنة في سورية أرواح ألوف الشباب ومثلهم من المفقودين والسجناء والمنخرطين مع الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ودفعت بالملايين إلى هجرة وطنهم دون رغبة بالعودة.
سورية تفقد شبابها بحق، وستعاني خلال مرحلة إعادة الإعمار مع انتهاء الحرب في وقت تتشكل فيه مجتمعات سورية في بلاد المهجر.
يمكن لهذا الوضع أن يتغير مع مرور الوقت، ويجد ملايين السوريين أملا في العودة بعد استقرار الأوضاع في بلادهم. وأعتقد أن من واجب الدول المستضيفة تشجيع السوريين على العودة لبلادهم عوضا عن تسهيل هجرتهم لبلدان أجنبية.
لقد منحت مناطق خفض التوتر ووقف إطلاق النار أملا باستقرار نسبي في عموم سورية، يحفز أوساطا واسعة من اللاجئين على تفضيل خيار العودة على سواه من الخيارات.
اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة درعا وجوارها الذي تم التوصل إليه في عمان الشهر الماضي يشكل أنموذجا يستحق الاختبار فيما يخص عودة اللاجئين. فقد أشارت تقارير صحفية إلى أن لاجئين في مخيم الزعتري بدأوا يفكرون جديا بالعودة لبلداتهم وقراهم القريبة بعد استقرار الأوضاع هناك.
إن أفضل خدمة يمكننا أن نقدمها للسوريين هي مساعدتهم على التخلص من الجماعات الإرهابية ووقف الحرب العبثية وسرعة العودة لبلادهم لخوض حرب البناء والسلم الأهلي بعد سنوات من الدمار والاقتتال.