دورة استثنائية بحق ختمها البرلمان بإنجاز تاريخي، تمثل بإقرار تعديلات مهمة على قانون العقوبات، كان أبرزها إلغاء المادة “308” التي تمنح العذر المخفف في جرائم الاغتصاب.
ليس هذا فحسب، فقد أقر البرلمان أيضا تعديلات جوهرية على بعض مواد “العقوبات” لتغليظ العقوبة في جرائم تنامت معدلاتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، كالاعتداء على الموظفين العموميين وإطلاق العيارات النارية في المناسبات والتهديد بالسلاح والاستيلاء على المركبات بالقوة.
الدورة البرلمانية برمتها كانت قصيرة، لكنها زاخرة بالإنجازات التشريعية. حزمة مهمة من قوانين إصلاح القضاء أقرها النواب في فترة قياسية.
استمعنا لاعتراضات وجيهة من أصحاب الخبرة القانونية في المجلس أمثال النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي الذي ينتمي لمدرسة قانونية لا ترى جدوى في تغليظ العقوبات للحد من الجريمة استنادا لخبرته العملية. لكن القلق الرسمي والشعبي من تنامي مظاهر انتهاك القانون والتنمر على المسؤولين عن تطبيقه كان له الأثر الكبير في السير باتجاه مخالف لتلك المدرسة.
بالرغم من ذلك يمكن القول إن الدورة الحالية للبرلمان جسدت حالة من التناغم غير المسبوق بين مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية حول الخطوات المطلوبة لمواصلة عملية الإصلاح.
كان الجدل حول المادة 308 مثالا حيا على المصاعب الموضوعية التي تبرهن على أن عملية الإصلاح ليست مجرد إرادة عليا، إنما اشتباك حقيقي بين قوى وتيارات اجتماعية لا يمكن حسمه بالأوامر والتعليمات العليا فقط، بل التشبيك بين القوى المعنية في الإصلاح من جهة، وحشد الحجج والبراهين الكفيلة بقلب ميزان القوى، والقبول “أحيانا” بحلول وسط وخطوات متدرجة لتحقيق الغايات النهائية.
إلغاء المادة من القانون ليس سوى خطوة، وسنكتشف في الممارسة العملية أن التغلب على الظاهرة في المجتمع ليس بالسهولة التي تم فيها التصويت على إلغاء المادة في البرلمان. إنها مسألة ثقافية بالغة التعقيد، لأن التشريع بصيغته الجديدة أصبح متقدما على الواقع الاجتماعي السائد، وسيغدو من الصعب تحقق الامتثال الاجتماعي للقانون في وقت تكافح فيه مؤسسات الدولة والمجتمع لجعل سيادة القانون بإطارها العام نهجا سائدا في البلاد.
هذا ليس تسرعا أو قفزة في المجهول، ففي حالات كثيرة ينبغي أن تتقدم الدولة خطوة عن المجتمع، وتتولى من بعد قيادته لمجاراة طموحها وخططها بالإصلاح والتحديث.
وما تحقق في هذا المضمار أخيرا يصلح لأن يكون تجربة يمكن القياس عليها مستقبلا بميادين أخرى تحتاج من الدولة أن تتخذ فيها خطوات إصلاحية شجاعة، قد تضعها أحيانا في موقع الصدام مع تيارات وقوى اجتماعية تخشى التغيير لاعتبارات مختلفة.
حتى قبل يوم واحد من جلسة مجلس النواب كان التوجه العام تعديل المادة 308 ثم وعلى نحو مفاجئ تغير المسار كليا، واصطفت الدولة مع وجهة النظر الداعية لإلغاء المادة كليا من القانون، وهذا ماكان.
الدولة في حالة بلداننا هي ضابط الإيقاع الذي يعزف الجميع على أنغامه، فليكن إيقاعنا على الدوام بهذا التناغم.