هل يمكن الوصول إلى ما تحدّثنا عنه أمس من إطلاق مشروع وطني إصلاحي، كما يأمل رئيس الوزراء، يقوم على أربع أولويات؛ إصلاح الإدارة العامة، إصلاح التعليم، إصلاح الصحّة العامة، دعم الشباب وحمايتهم؟
أظن، وبعض الظنّ إثم، أنّ هنالك حالة من التشاؤم والسوداوية وفقدان الثقة تغلّف رؤية شريحة اجتماعية واسعة من المواطنين الأردنيين تجاه أي ادعاء من قبل الحكومات بأنّ هنالك مساراً إصلاحياً مرتقباً ومنتظراً.
ذلك “المزاج” العام لا يمكن إنكاره وتجاهله، وستبقى الحكومة تتعامل معه، حتى تثبت العكس تماماً، وتحدث تغييراً نوعياً وجوهرياً على أرض الواقع، يلمسه المواطنون على صعيد تطوير الإدارة العامة وإصلاحها، بما سينعكس بالضرورة، بصورة مباشرة، على الخدمات العامة والأساسية التي تقدّم للمواطنين، وبما يوقف الكرة المتدحرجة التي بدأت تأكل كل شيء، وتتشكّل من الفساد المالي والرشوة والمحسوبية والشللية، وضعف المعايير المهنية والإدارية الصحيحة، عموماً، في كثير من مؤسساتنا الحكومية!
هل ذلك ممكن حقّاً؟ هو ممكن وليس سهلاً في الوقت نفسه، يحتاج إلى شروط وروافع أساسية في مقدمتها العزيمة والإرادة لدى الرئيس والحكومة لتدشين هذا المشروع الكبير، وكذلك الرواية الإعلامية المتماسكة القوية المؤثّرة، التي تؤطره وتدعمه، وتعمل على خلق حالة من التوافق المجتمعي حوله لإنجاحه، ثم المطلوب بناء الرؤية النظرية والواقعية لمثل هذا المشروع، وينبثق عنها “خطة عمل” زمنية واضحة وعملية، متدرّجة، تمثّل “الدليل الإرشادي” للحكومة والمواطنين، وتكون بمثابة “مانفيستو” إصلاح الإدارة العامة في الأردن.
وهكذا الأمر نفسه بالنسبة للأولويات الأخرى (التعليم، الصحة، الشباب)، فمن دون رؤية واضحة وخطة عمل محكمة لا يمكن السير في تلك المشروعات، عشوائياً وبتخبط، فمن الضروري توافر دليل للجميع؛ الحكومة، المواطنين، الإعلام، يحدّد لنا أين نقف؟ وإلى أي نسير؟ وما هي المراحل والخطوات المطلوبة لتحقيق هذه المهمة الجليلة.
من بين الشروط أو العوامل الرئيسية لنجاح الحكومة في إنجاز المشروع أن يكون هنالك “تشبيك” بين الوزارات والمؤسسات والدوائر المعنية. فأحد أخطر الثغرات اليوم في الإدارة العامة في الأردن وعيوب السياسات الأردنية هو أنّ كل مؤسسة ووزارة، وربما المسؤولون يفضّلون العمل بصورة منفردة، ومستقلة، من دون وجود تنسيق وتشبيك بينها، وتكامل لتحقيق الأهداف.
مؤسسات ووزارات الدولة تبدو اليوم كجزر معزولة منفصلة، متباعدة، ما يجعل الرؤية متضاربة، والعمل متفاوتا، والروح منقوصة، والطاقات والكوادر مكدّسة، والخبرات المطلوبة مهمّشة!
بالقدر نفسه من أهمية الإصلاح السياسي أزعم، بلا تردد، أنّ الإصلاح الإداري مهم وضروري، بل هو صنو للإصلاح السياسي أو الدمقرطة، إذ لا يمكن أن تحمل مشروع الديمقراطية إلاّ مؤسسات إدارية قوية، وشفافة، تخضع لقيم الرقابة والمساءلة والشفافية، تجسّد العلاقة الصحيحة والصحية بين الدولة والمواطن، التي تقوم على المواطنة واحترام القانون، وكشف الفساد ومحاربته، ووجود قواعد مكتوبة، وعرفية، تحكم أي خدمة أو صلة بين المواطن والمؤسسات الحكومية أولاً، والعلاقة في داخل تلك المؤسسات ثانياً.
إصلاح الإدارة العامة لن يحدث بين يوم وليلة، ذلك صحيح، لكنّه مصلحة للجميع، للحاكم والمحكوم، وبحاجة إلى إرادة سياسية قوية تدعمه، وإلى حكومة تحمله وتؤمن به، وهكذا لو وضعنا الأولويات الأربع ضمن مشروع متكامل، يجسّد “رؤية الملقي” وحكومته، على الأقل خلال الأعوام القادمة، فلعلّ شيئاً جيداً يحدث، ولعلّ الناس تشعر أنّ هنالك تغييراً يمكن أن يحدث، ولعلّ هناك ما يملأ الفراغ.
هل هذا المقال من وحي الخيال! الحلم! أم أنّ هنالك أملا فعلا؟ الجواب بيد الرئيس والحكومة، لكنّني أعرف تماماً أنّه يفكّر، على الأقل، ويخطط لمثل هذا المشروع!