عادة ما يتردد السؤال ذاته في كل موسم انتخابي وباللهجة الشعبية الدارجة: “من وين طلعوا كل هالمرشحين؟“.
ثمة أسباب مفهومة لضجر الأردنيين وعدم اكتراثهم حيال الانتخابات والمرشحين؛ خيبة الأمل بأداء الفائزين، وارتباط المنتخبين بمصالحهم الشخصية، وشعور المواطنين بأن وجود الهيئات المنتخبة لا ينعكس بشكل إيجابي على مستوى معيشتهم والخدمات المقدمة لهم.
لا يمكنني أن أشاطر الجمهور كل هذه الانطباعات، فلو تسنى لبعضنا التدقيق بأداء النواب، على سبيل المثال، للمسنا حجم تأثيرهم في التشريعات التي يقرها البرلمان، ومدى انعكاسها على حياتهم، ناهيك عن الخدمات المباشرة التي يتحصل عليها النواب لصالح المواطنين عن طريق الحكومة.
هذا نقاش مختلف وطويل لن أخوض فيه هنا، موضوع المقال هو موقف المواطنين من مرشحي مجالس البلديات ومجالس المحافظات وصورهم ويافطاتهم التي تملأ الشوارع والساحات العامة.
اندفاع وجوه جديدة وإصرار أخرى مألوفة على خوض السباق الانتخابي مظهر صحي يدل على حيوية المجتمع بغض النظر عن تقييمنا لمكانة ودور المجالس والهيئات المنتخبة في صناعة القرار.
البلديات ومجالس المحافظات حديثة النشأة هى وحدات الحراك المجتمعي التي تفرز القيادات الوسطى، وتؤهل الناشطين في الشأن العام لخوض غمار تجربة العمل السياسي في مرحلة لاحقا.
بمعنى آخر المصانع التي تفرخ القيادات، وتجدد الدماء في النخب السياسية والإدارية لعموم مؤسسات الدولة ومدنها ومحافظاتها.
لطالما اشتكى الناس من النخب المهيمنة على مؤسسات صناعة القرار، لا بل ومن افتقار الدولة لنخب جديدة مؤهلة تستجيب لتطلعات المواطنين في الإصلاح والتطوير، وتحوز على ثقتهم. وإذا كان هناك من توصيف سائد وعام لمشكلتنا الداخلية فهو أزمة النخب الأردنية.
ولطالما اشتكينا من عزوف النشطاء والطامحين بالعمل العام عن المشاركة في الانتخابات، وهيمنة وجوه تقليدية على المشهد.
لا شيء يمكن أن يحرك المياه الراكدة في العمل العام ويبعث الروح في الطبقة السياسية، سوى ضخ دماء جديدة في شرايينها. وما من وسيلة لتحقيق ذلك غير الانتخابات بكل أشكالها؛ برلمان وبلديات ونقابات وغرف صناعة وتجارة، وسواها من مؤسسات الخدمة العامة.
لقد منحتنا البلديات من قبل شخصيات قيادية معتبرة، خدموا مدننا بإخلاص، وانتقلوا لمواقع أعلى، أو عادوا للحياة العامة مشاركين وفاعلين في الحراك الاجتماعي والسياسي.
مجالس المحافظات تجربة جديدة، ومع إقراري بكل المخاوف والهواجس حولها، فإنها ومع الممارسة والتجربة المتكررة ستنجب قيادات شابة وسيكون من بينهم في المستقبل نواب في البرلمان، لديهم ميزة عن أقرانهم ممن لم يخوضوا تجربة “اللامركزية“.
نحن بأمس الحاجة لتجديد نخب الدولة الأردنية، لأننا ومنذ زمن نواجه مأزقا خطرا. الدولة بمؤسساتها البيروقراطية التقليدية لم تعد “ولاَدة” كما كانت من قبل، والدولة بطبيعتها باتت بحاجة لقيادات بمواصفات مختلفة عن السابق. لا يمكن تعويض هذا العجز المتفاقم إلا بالاعتماد على المؤسسات والهيئات المنتخبة لإنتاج نخب جديدة للدولة والمجتمع.
يظهر من صور المرشحين في الشوارع أن هناك العشرات من الشباب والشابات قرروا خوض التجربة الانتخابية، وهذا أحسن ما في الانتخابات. قد لا يفوزون جميعا، وليس شرطا أن تفوز في الانتخابات لتصبح من النخبة، يكفي المرء التمرس في العمل العام ليكتسب التجربة والخبرة ويكون فاعلا وصانعا للقرار.