عروبة الإخباري- يرى خبراء قانونيون ان القوانين الدولية تتيح للأردن الأدوات القانونية، لمتابعة قضية “مجرم السفارة الاسرائيلية” وضمان تحقيق العدالة الجنائية بحقه، فيما اشاروا الى ان الاردن التزم، من جهته، بالقانون الدولي باحترام الحصانة الدبلوماسية التي توفرها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961.
وفيما كشفت مصادر رسمية ان المملكة “كانت طلبت من اسرائيل رفع الحصانة الدبلوماسية عن حارس امن السفارة” بعد جريمة الرابية الاخيرة، التي ذهب ضحيتها اردنيان، لمحاكمته في الاردن، الا أن اسرائيل رفضت ذلك، وفق ما تتيح لها الاتفاقيات الدولية، فقد بادرت وزارة الخارجية الجمعة الماضية لتسليم اسرائيل ملف التحقيق بالجريمة بعد اكتماله من قبل النيابة العامة، وذلك لمحاكمة الجاني “طبقاً للمادة 31 من اتفاقية فيينا وفي حدود الجرائم التي ارتكبها“.
واسندت النيابة، بحسب تصريح سابق لرئيسها د. أكرم مساعدة، للقاتل الاسرائيلي تهمتي “القتل الواقع على أكثر من شخص خلافاً لأحكام المادة 27/3 من قانون العقوبات الأردني)، و(حيازة سلاح ناري بدون ترخيص خلافاً لأحكام المواد 3 و 4 و 11/د من قانون الأسلحة النارية والذخائر“.
وبين مساعدة انه تبين بالتحقيق ان القاتل “يتمتع بالحصانة الدبلوماسية والقضائية” حيث قرر المدعي العام عدم الاختصاص وفقاً لنص المادة 11 من قانون العقوبات. مستدركا ان حصانة القاتل زئيف وفقاً لإتفاقية فيينا هي “محض حصانة إجرائية لا تعفيه من المحاكمات أمام محاكم دولته“.
وشدد خبراء قانون لـ”الغد” أن المطلوب من الاردن متابعة التزام اسرائيل بمحاكمة الجاني استنادا لخطة “تحرك قانوني دقيقة ومحكمة”، بما فيها القوانين الدولية التي اتاحت ادوات ووسائل قانونية لمتابعة القضية، بما يضمن الوصول للعدالة الجزائية بحق القاتل وتحقيق العدالة.
وأمام إرتفاع حجم الغضب الاردني على الموقف الاسرائيلي تجاه هذه الجريمة، وعدت إسرائيل الاردن بإجراء “تحقيق معمق واكتشاف الحقيقة وإن التحقيق سيجري بشفافية وفي النهاية ستعرض النتائج عليهم”، حيث مثل القاتل للتحقيق امام جهاز “الشاباك” الداخلي، بحسب ما صدر من تصريحات في تل ابيب.
وكان جلالة الملك اكد الخميس الماضي ان الاردن “سيبذل كل الجهود من أجل تحقيق العدالة والحصول على حقوق ألاردنيين” الذين قتلا بحادثة السفارة. وشدد جلالته على اننا “سنكرس كل جهود الدولة الأردنية وأدواتها لتحصيل حقهما (الاردنيين الضحيتين) وتحقيق العدالة“.
وقال جلالته أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي مطالب بالالتزام بمسؤولياته واتخاذ الإجراءات القانونية التي تضمن محاكمة القاتل وتحقيق العدالة، بدلا من التعامل مع هذه الجريمة بأسلوب الاستعراض السياسي، بغية تحقيق مكاسب سياسية شخصية“.
يقول الخبير بالقانون الدولي د. عمر مشهور الجازي، ان المادة 31 من اتفاقية فيينا، وتحديدا البند الرابع، نصت على ان “عدم خضوع الممثل الدبلوماسي لاختصاص قضاء الدولة المعتمد لديها، لا يعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمدة“.
واشار الى إن قوانين الحصانة الدبلوماسية الدولية “لا تمنع من تطبيق ضمانات المحاكمة العادلة (في دولة المتمتع بالحصانة)، بل تؤكد في نصوص لها، أهمية تطبيق هذه الضمانات وما تفرع عنها من أحكام“.
واضاف الجازي: “تشكل ضمانات المحاكمة العادلة القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها العدالة والسلام التي تتطلب وجود تمثيل قضائي للدفاع عن حقوق المجني عليه، وهذا ما أكده العهد الدولي الخاص المعني بالحقوق المدنية والسياسية، ووجود اي تساهل مع الجاني بما في ذلك إعفاؤه من المسؤولية القضائية والسياسية، يعد خرقا واضحا لحقوق الإنسان والضمانات التي منحت للمجني عليه“.
ولفت ايضا الى ان اقدام دولة الجاني (وهي اسرائيل هنا) بالعفو عنه، أو تخفيف عقوبته من دون أي مسوغ “يؤدي للانتقاص من حقوق أهالي الضحايا، واستفزاز لمشاعرهم“.
يشار إلى أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، تحدد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول، وتبين الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، وتحدد عدة مفاهيم كالحصانة الدبلوماسية وقطع العلاقات.
خبير قانون دولي آخر، طلب عدم نشر اسمه لشغله منصبا قضائيا حاليا، قال ان “ما اقدمت عليه اسرائيل بعدم تنازلها عن حصانة دبلوماسيها، استناداً للقانون الدولي المتجسد بالمادة 34 من اتفاقية فيينا، امر متوقع، اذ ان الدول غالبا لا تلجأ إلى مثل هذا التنازل، لأنها ترى فيه تنازلا عن سيادتها“.
لكنه دعا الى ممارسة الضغط على إسرائيل “لتطبيق نص الفقرة الرابعة من المادة 31 من الاتفاقية ذاتها لمحاكمة القاتل امام قضائها، لان تمتع هذا المجرم بالحصانة القضائية التي تعفيه من الملاحقة والمحاكمة في الاردن، لا تعفيه من قضاء دولته“.
ودعا الخبير الحكومة لاستثمار علاقاتها الدبلوماسية بالمجتمع الدولي، للضغط على إسرائيل لاخضاع المجرم أمام القانون ومحاكمته، بما يضمن الوصول الى العدالة الجزائية بحق القاتل وتحقيق العدالة.
واشار الخبير الى ان هناك اتفاقيات دولية وتشريعات وطنية “لا بد من الرجوع لها، لا تنحصر فقط في اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية“.
وبين وجود اتفاقيات وتشريعات اخرى عامة اسمى من تلك الاتفاقية لا يمكن إغفالها، وتشكل محددات قانونية رئيسة، تؤطر التزامات وحقوق اعضاء المجتمع الدولي، ابرزها ميثاق الامم المتحدة لسنة 1945 الذي يعتبر الدستور ورأس الهرم في المنظومة القانونية الدولية، فضلاً عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وشدد على مطالبة المجتمع الدولي، الذي عانى بشكل او بآخر من الجرائم المرتكبة من دبلوماسيين محصنين من الملاحقة القضائية، بتعديل اتفاقية فيينا، بالعمل على انشاء محكمة دولية خاصة محايدة، تضمن محاكمة عادلة لكل دبلوماسي يرتكب جرما خطرا، تسمح بمحاكمته أمامها وبما يضمن تنفيذ الحكم الصادر بحقه لاحقاً.
اما الخبير القانوني محمود عبيدات، والذي يحمل على ادارة الازمة من قبل الحكومة الاردنية منذ البداية، فهو يرى ان الاردن يمتلك الان ادوات قانونية توفرها القوانين الدولية، لمتابعة القضية والزام اسرائيل بمحاكمة القاتل.
واوضح ان الفقرة 4 من المادة 31 من اتفاقية فينا، وتنص على “ان حصانة الممثل الدبلوماسي بالنسبة الى قضاء الدولة المستقبلة لا تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة الموفدة” تشكل “سندا قانونيا واضحا لالتزام دولة الكيان الصهيوني بمحاكمة المجرم أمام قضائها“.
ويستدرك ان الحكومة طلبت من اسرائيل محاكمة القاتل “وفاء بالتزاماتها الدولية وتنفيذا لاتفاقية فيينا”، لكن يتساءل “عن الادوات القانونية التي تملكها الدولة الاردنية لتجبر دولة الكيان على تنفيذ التزامها هذا واجراء محاكمة نزيهة للقاتل؟“.
ويقول ان “الادوات القانونية بيد الاردن محدودة جدا ومعقدة جدا، ولا نعتقد ان الاردن سيلجأ للسير بهذا الاتجاه لاسباب كثير منها السياسية ومنها القانونية والاقتصادية“.
وزاد أن الوسائل والادوات الدبلوماسية “تعتبر أحدى وسائل الضغط لتنفيذ الاحكام القانونية الدولية التي قد تصدر لصالح الأردن، في حال لجوئها للمسار القانوني، والذي هو محصور في اللجوء لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، للمطالبة بأمرين وفقا للمادة (36) من النظام الاساسي للمحكمة“.
واوضح ان الطلب الاول “يتعلق بطلب تحقيق واقعة تشكل خرقا لالتزام دولي فيما يتعلق بارتكاب الممثل الدبلوماسي الاسرائيلي لجريمة جنائية شكلت اعتداء على حقوق الانسان الاساسية واقرارها لهذا الجرم وعدم محاكمته، وبتمسكها بالحصانة القضائية الجزائية لعضو البعثة الذي شكل اخلالا بالتزاماتها الدولية، بموجب ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، أما الطلب الثاني يتعلق بالمطالبة بالتعويض عن الاخلال بالتزام دولي“.
لكن عبيدات يرى ان المسار القانوني “تحكمه العديد من الاعتبارات وهو مسار شائك وينطوي على الكثير من العقبات القانونية المتعلقة باختصاص محكمة العدل الدولية ابتداء، وانتهاء بالمسائل المتعلقة بانفاذ احكام هذه المحكمة وانعدام الوسائل القانونية لتنفيذه من الناحية الواقعية“.(الغد)