عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب – أتساءل مع ناصر المرّي الذي لا أعرفه كثيرا، وما بيننا لقاء واحد جمعني مع أصدقاء لي وله .. كان الوقت على العشاء عابرا.. أكثره عن “البزنس” الذي أتعامل معه كما يتعامل المريض مع الدواء، وبعضه عن الحالة العربية وتحديدا الخليجية بعد الذي انتابها من غياب تحمل وصبر وحكمة ,غدت مهددة لما أنجزته دول الخليج من مكاسب، وما قدمته من نموذج اختبأ وراءه العرب حين كان يقال أن اسهاماتهم المعاصرة وتعاونهم في بناء الحضارة المعاصرة يكاد لا يذكر..
اتفق مع المرّي في ما قدم عن طبيعة الانسان العربي واختلاف قيمه وتشكل سلوكه، رغم اندماجه الكامل في اختراعات العصر ومكوناته الاستهلاكية إلا أنه ظل يعزل نفسه عن الانسان في بُعده النفسي والقيمي في هذه الانجازات المادية المعاصرة.. وظل يستفزه سلّماً من القيم والاخلاق اذا ما جرى مسّها في حياته..
اتفق مع المرّي أن القبيلة العربية في الجزيرة واطرافها الأربع، شكلت دولتها ولذا جاءت دولنا في هذا الجزء من عالمنا العربي مدينة للقبيلة الأكبر على جغرافيتها ومُعظمه لشأن القبيلة وموروثها الثقافي والأدبي وحتى السلوكي أكثر من أن تكون مدينة لأي قانون او تشريع او حتى لزعيم سياسي اخترعته الدولة.
القبائل الكبرى ممتدة على ساحل الخليج وفي عمق الصحراء وما زال الولاء لها في تلك الديار، ولذا فإن الحديث عن الدولة المدنية او الديمقراطية او حتى العلمانية كما يشتهي المرّي لا يصمد ولا يترجم نفسه لأنه يتصادم مع قيم القبيلة الموروثة والقائمة وتقاليدها التي أصبحت جزءا من السلوك اليومي لمكونات القبيلة العربية.
اتفق مع المرّي بأن الخلاص هو في الدولة العلمانية وفي التقدم التقني والمادي الذي تصنعه الاموال المكتسبة ، لكن كيف في الجزء الاول من رأيه والمتعلق بالعلمانية،كيف للماء أن يختلط بالزيت في شكل مندمج وان لا يطوف الزيت فوق الماء دون أن يتغلغل فيه.. فالقبيلة نقيض العلمانية و نقيض الدولة المدنية و نقيض الاحزاب التي هي من مكونات الدولة المدنية و نموذجنا في ذلك ما كانت القبيلة اليمنية في عدن قد اخترعته حين كانت تريد ان تكون ماركسية بالمواصفات اليمنية فسمت نفسها حزبا حتى اذا ما توترت قتلت تابعيها قتل القبيلة المتعصبة ..
و لدينا قائمة قتل علي اسماعيل و سالم ربيع و علي عنتر و غيرهم كثيرون لبسوا الماركسية دون ان تلبسهم ..
ما زال طريقنا طويلا يا مرّي وما زلنا بحاجة الى نضح كم هائل من الماء الآسن غير الصالح للاستهلاك البشري قبل الوصول الى الثقافة النقية ومازلنا يتوجب علينا عزل الاجيال القادمة عن وجبات الثقافة المنتهية الصلاحية فأكثر تاريخنا و ثقافتنا في عموم بلداننا منتهية الصلاحية واستمرار تناولها و العيش عليها يؤسس اشكالا من التطرف السلوكي ويبقينا بعيدين عن التفاعل مع الاخر و قبوله ..
فهمتك وانت تتكلم في الاقتصاد و الادارة كشخصية ناجحة ولكني لم افهمك وانت تقفز الى بركة العولمة و تريد للذين لا يعرفون السباحة ان يقفزو بملابسهم القديمة التي يستنكر العالم ان يسبحوا فيها ..
نعم وضعت يا مرّي بعض النقاط على الحروف في موضوعة الخلاف الخليجي- الخليجي و رسمت لبلدك الكويت صورة ايجابية لكن لم تفاخر بها على حساب الاخرين ولم تنكر سجلات التعاون و الوفاء و علاقات واواصر القربة و الاقتراب الجغرافي و التراثي ..
تحدثت بحرص و محبة افدنا منها في معادلة غدت حساسة و متداخلة بين قطر التي لم تنكر قيمة الروابط التاريخية معها و بين اشقائها الذين لا تشتهي ولا تطلب ان يفردوها بعيدا افراد البعير الاجرب و لكنك تريدهم ان يعالجوا او يتحملوا حتى تشرق شمس الصفاء مرة اخرى ..
فانت تدعو ان ينتهي الخلاف و تعود الفرحة لأهل الخليج وان يندحر العدو ( لا أعرف من هو ) وان لا يفرح حاقد او شامت ( ما زالت هوياتهم غير واضحة)وان ترى ان بقاء الخليج هو بوحدته و تعاضد اهله ..
وتريد ان تكون النتيجة واحد واحد , او صفر صفر ..أي “حبّ خشوم” وتعود الامور الى افضل مما كانت عليه قبل انفجار الازمة فانت ترى ان قطر كانت وستبقى (رغم ما ذكرته لي و طلبت عدم نشره ) لانك تريد طريقا سالكة و مودة عائدة الى العلاقات , فــ ” قطر” في رأيك من الخليج و ستبقى و تهوّن من الازمة و تختصرها لتقول : انها لا تعدو العتاب .. و يبدو انك تتمثل قول النابغة الذبياني الشاعر الجاهلي القائل :
اذا كنت في كل الامور معاتبا صديقك لا تلق الذي لا تعاتبه
يبقى القول ان خبرة ناصر المري استوعبت جوانب كبيرة و مكنته من ان الكويت وشبكة علاقاتها بشكل واضح يخدم اي مراقب او مستفسر او باحث او راغب في البحث عن اجابة لاسئلته ..
اتوقف هنا و اعاود ما سأتذكره من نقاش خصب لاحقاً.
*ناصر المري متخصص في العلوم الادراية
رئيس مجلس ادارة نور للاستثمار المالي
مدير ادارة القروض في الهيئة العامة للاستثمار