هدأت الأزمة نسبيا في القدس بعد أن تراجعت حكومة الاحتلال بشكل كلي عن إجراءاتها في الحرم القدسي الشريف. كان ذلك التراجع ثمرة الصمود الفلسطيني والمثابرة الأردنية التي رفضت المساومة على الوضع القانوني القائم في المسجد الأقصى والحرم القدسي.
الأردن لم يترك مجالا لدق الأسافين في العلاقة الأردنية الفلسطينية، وأعلن منذ بداية الأزمة أن أي حل لا يقبله الشارع الفلسطيني لن يرضى به الأردن.
لكن الوضع القائم وكما تفيدنا خبرة السنوات، هشّ وقابل للعودة إلى مربع التصعيد في ضوء سياسات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته لتهويد القدس وابتلاع المقدسات.
الأردن يدرك هذه الحقيقة، ويفكر على الدوام بأسوأ السيناريوهات، لكنه مصمم على التمسك بوصايته الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تأمين وتقرير مصير المقدسات على المدى البعيد لن يتحقق إلا بالتوصل لحل نهائي يضمن قيام الدولة الفلسطينية، ولهذا تدخل الدبلوماسية الأردنية في سباق مع الزمن خلال الفترة المقبلة لتحريك عجلة المفاوضات، واستثمار النافذة الأخيرة المفتوحة لحل الدولتين.
يراهن الأردن على الأشهر الستة المقبلة كفرصة حاسمة لإحداث فرق في الوضع القائم، ويعتقد أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستظهر اهتماما بالحل خلال هذه المهلة.
في الذهن أيضا موقف حكومة نتنياهو اليمينية، وسعيها الدائم لإضفاء طابع أمني على الصراع وتجريده من حقيقته السياسية. ليس لدى الأردن أوهام كبيرة حيال موقف نتنياهو، وثمة قناعة أنه وبدون دور أميركي فاعل وضاغط لن يكون هناك في إسرائيل من يهتم بحل الصراع حلا عادلا.
ترامب لايكف عن التأكيد للجانب الأردني نيته العمل بجدية لحل أزمة الشرق الأوسط. الأحداث الأخيرة التي شهدتها فلسطين كانت دليلا قويا على صحة المقاربة الأردنية التي حاولت أوساط إسرائيلية وعربية تجاهلها، ومفادها أن قضية الشعب الفلسطيني هي لب المشكلة في الشرق الأوسط وبدون حل عادل ومنصف ينهي الاحتلال لن تنعم المنطقة بالهدوء والاستقرار.
العلاقة الأردنية الإسرائيلية في الوقت الحالي متوترة للغاية، بسبب حادثة السفارة الإسرائيلية والموقف المخزي حيالها من طرف نتنياهو. لكن ليس في نية الأردن إضاعة فرصة التركيز على الهدف الأساسي، وهو استثمار الطاقة الأميركية لتحريك الوضع المتأزم، وإنقاذ حل الدولتين من الاندثار.
من المؤكد ان الأردن سينخرط في الأسابيع المقبلة بنقاش جدي مع الجانب الأميركي ودفعه للعب دور أكثر فعالية لاستئناف المفاوضات وفق مبادرة حل الدولتين.
التنسيق في هذا الصدد مع الجانب الفلسطيني يمضي على نحو سلس وفعال، وبتفاهم كامل على جميع الخطوات. أزمة “الأقصى” كانت اختبارا ناجحا لآليات التنسيق الأردني الفلسطيني، وباستثناء بعض الأصوات الشاذة، فإن العمل اليومي بين الجانبين لم يترك مجالا للشكوك.
يواجه الأردن تحديات غير مسبوقة على جبهات عدة، لكن صاحب القرار يؤمن بأن حل القضية الفلسطينية حلا عادلا مايزال هو التحدي الأكبر للمملكة، مهما تعاظمت الأخطار.