لم يتفوّق على شعور الأردنيين بالحزن الشديد والأسى على المواطنَيْن اللذين سقطا في حادثة السفارة الإسرائيلية، وفيهما فتى لم يتجاوز الـ17 عاماً من عمره، إلاّ غضبهم وحزنهم وألمهم من طريقة إدارة الحكومة للأزمة، وتصرّفات الطرف الآخر، بعنجهية ولؤم، ما جعل شعور الإهانة عاماً في أوساط الرأي العام، وحتى النخبة السياسية، ما وصل إلى درجة أن يبكي نائب مخضرم في جلسة سرية لمناقشة الأزمة.
إذا كانت خياراتنا القانونية محدودة فعلاً، فإنّ ذلك لا يعني أنّنا لم نكن نملك خيارات سياسية، وأن نصنع “حزمة متكاملة” في التعامل مع الجانب الإسرائيلي، بما يحافظ على كرامة الوطن وسمعة الحكومة ومؤسساتها، ولا نخرج بهذه الصورة التي ظهرنا فيها أمام أعين مواطنينا وأمام الإعلام العربي والعالمي على السواء، ولا أعتقد أنّ هنالك تقييما لإدارة ما حدث أسوأ مما كان!
لماذا وقعنا “في الفخّ”؟ وأصبح همُّنا – بعدما تعمّد الإسرائيليون، حكومة ونواباً، توجيه صفعة للحكومة والشعب الأردني- أن نستدرك بأي خطوات لحفظ ماء الوجه؟ أو أن نحاول الدفاع بصورة مهزوزة مرتبكة عن موقفنا، ومتآخرين، بعدما انتهى الوقت الأصلي والإضافي للمباراة؟!
هل كان هنالك قصور أو نقص في الوعي والثقافة السياسية والقانونية لدى الإدارة الحكومية؟ الجواب: بالتأكيد؛ لا، فلدينا وزراء متخمون سياسياً، مثل ممدوح العبادي وموسى المعايطة، وعلى درجة من الخبرة والذكاء والكارزما، مثل أيمن الصفدي، وأكاديمياً على الصعيد السياسي، مثل محمد المومني، وقانونياً مثل بشر الخصاونة، وحتى في وزارة الخارجية هنالك عقول قانونية جبّارة، مثل محمود الحمود، فما الذي حدث وعطّل هذه الماكينة؟ فخرجنا بخسارة مدويّة في الأزمة؟!
أعود للنقطة المركزية، التي أرجو الانتباه لها – كإحدى القضايا التي من الضروري أن نفكّر فيها مليّاً وعميقاً في تقييمنا لإدارة الأزمة، وهو تقييم من الضروري أن يتم في الأروقة المعنية في أسرع وقت ممكن- وتتمثّل في الفجوة المرعبة التي تبتلع كل شيء، كـغياب رئيس الوزراء والحكومة بصورة مباشرة عن المشهد تماماً، وكأنّنا نتعامل مع ملفات خارج نطاق اختصاصهم، وهو ما ينبغي إعادة التفكير فيه، لأنّنا – في نهاية اليوم- نظام نيابي ملكي وراثي، ورئيس الحكومة هو المسؤول أمام الرأي العام الأردني والبرلمان، وهو الشخص المكلّف بمخاطبة الجميع، أو تفويض المؤسسات والأشخاص المكلفين بتقديم بيان للرأي العام والإعلام عمّا يجري.
هذه النقطة مرتبطة بمفاهيم مركزية عن الأدوار والمهمات السياسية والإطار الذي يحدّد دور الحكومة، فليس مفيداً ولا صحّياً أن نفتقد في لحظات حسّاسة، مثل تداعيات أحداث الجفر والرابية، رجال دولة يشتبكون مع الشارع والرأي العام ويتحدثون سياسياً وإعلامياً، لأنّ المؤسسات الأخرى عسكرياً وأمنياً تتحدث بلغة محترفة، مرتبطة بدورها المحدّد والمهني، لكن التأطير السياسي وإدارة الأزمة هما مسؤولية الحكومة، التي إن غابت خلّفت فراغاً رهيباً!
يرتبط بهذا وذاك، للمرة الألف بعد المليون، موضوع الرواية الإعلامية، ومدى الشعور بأهمية بنائها وصياغتها، والإعلام ومخاطبة الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، وهي خسارة مضاعفة في الأزمة الأخيرة، مقارنةً بدول تحدث فيها مجازر مثل سورية، يتصدى إعلامهم لما يحدث، أو كوارث مثل مصر، الإعلام يكون فاعلاً، بينما نحن لا نجد إعلاماً أو سياسياً محنّكاً مستعداً للظهور الإعلامي خلال الأزمة وتقديم خطاب متماسك!